يقدّر الباحث توفيق كسبار قيمة الدين العام الفعلي في عام 2015 بنحو 110 مليارات دولار. نتج هذا الرقم الهائل من طريقة احتساب الدين العام المختلفة عمّا هو سائد، إذ إن «الوضع الحقيقي للدين الرسمي في لبنان ينعكس في مديونية القطاع العام، التي يفهم بها مجموع حسابات الحكومة وحسابات مصرف لبنان». وتحت عنوان «العجز والدين: حكومة بدون محاسبة»، يلفت كسبار الى أن ديون مصرف لبنان للمصارف المحلية ازدادت إلى حدّ كبير منذ نهاية عام 2000 لتصل إلى أكثر من 71 مليار دولار بحلول أواخر عام 2015، لافتاً إلى أن مصرف لبنان صار ناشطاً في سوق الدين من خلال الاستدانة من المصارف المحلية لدعم احتياطاته بالعملات الأجنبية، التي يستعملها لتثبيت سعر الصرف وحماية الليرة، إلا أنه تكبّد نتيجة لذلك خسائر كبيرة جراء الاستدانة بمعدلات فائدة أعلى إلى حدّ كبير من مردود أصوله بالعملات الأجنبية.
تستحوذ مدفوعات الفائدة على الحصة الأكبر من الإنفاق العام
بين عامي 1993 و2014، بلغت الفائدة المدفوعة على الدين نحو 60.5 مليار دولار، أو ما نسبته 33.6% من النفقات، وتستحوذ مدفوعات الفائدة على الحصة الأكبر من الإنفاق العام، تليها الرواتب والأجور بما قيمته 56 مليار دولار (31.1%)، فيما النفقات الرأسمالية بلغت 16.4 مليار دولار (9.1%)، والتحويلات إلى كهرباء لبنان بلغت 16.7 مليار دولار (17%)... ويمثل الإنفاق على فوائد الدين «ثلث الإنفاق الحكومي خلال الفترة المذكورة، وأقل بقليل من أربعة أضعاف مجموع الإنفاق الحكومي على النفقات الرأسمالية، و11% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرتفعة إذا أخذنا بالاعتبار أن كلفة الفوائد على الدين الحكومي في معظم البلدان تبلغ نحو 2% من إجمالي الناتج».
هذه الأرقام مؤشّر على «فشل السياسة المالية والارتفاع المستمر في الدين العام، رافقهما عبء مالي متزايد على كاهل الشعب اللبناني. إن ديناميات المديونية السلبية أحكمت قبضتها على الوضع المالي وعلى الاقتصاد، وإن الإصلاحات الجذرية، أي الجوهرية والمستدامة والفعالة، هي الوحيدة الكفيلة بكسر هذه الحلقة المفرغة».
لمّحت الدراسة إلى فشل سياسة تثبيت سعر الصرف، إذ إنه عندما اتخذ القرار كان يجب أن تكون التوقعات «حدوث تراجع في أسعار الفائدة الحقيقية إلى مستويات متدنية نسبياً كي تصبح منسجمة مع معدل النموّ الاقتصادي، وتحديداً نموّ الناتج المحلي الحقيقي، أي ألا تتعداه لوقت طويل. لكن خلافاً للتوقعات، توسع الإنفاق الحكومي فيما كان نمو الناتج متواضعاً وظلت أسعار الفائدة، اسمية كانت أو فعلية، مرتفعة، وقد تسبب هذا الوضع في تفاقم عبء الدين وديناميته ومزيد من الشلل في النشاط الاقتصادي والنموّ». ومن الأمثلة على ما حصل هو أن متوسط سعر فائدة القروض المصرفية كان أكثر من 5% في الأعوام الخمسة الأخيرة بين 2011 و2015، علماً بأن متوسط معدل النموّ الحقيقي كان أقل من 2%. «يجب أن تكون أسعار الفائدة الحقيقية قريبة من مستويات معدل النموّ، خصوصاً عندما تتناول فترة زمنية طويلة نسبياً».
وتقول الدراسة إن الأداء الاقتصادي خلال السنوات 1993 ــ 2015 كان «فشلاً منظماً». هذا الفشل كان تراكمياً وليس ظرفياً. إن تحسين مستوى معيشة اللبنانيين، بما فيه توفير فرص العمل، هو حقاً المعيار الأساسي للحكم على الحكومة في الحقلين الاقتصاي والسياسي. في هذا الصدد، كان رصيد حكومات ما بعد الحرب أبعد ما يكون عن النجاح.