القاهرة | في تصاعد متوقع لأزمة العلاقات المصرية السودانية، بدأ الرئيس السوداني عمر البشير المواجهة المباشرة مع مصر علناً، بعد اتهام السلطة المصرية بتقديم الدعم العسكري لحركات التمرد في السودان، مؤكداً العثور على مدرعات وأسلحة مصرية في أعقاب هجوم شنّه متمردون شرق وشمال دارفور يوم الأحد الماضي.
لم تكتفِ القاهرة ببيان وزارة الخارجية للرد على تصريحات البشير، والتي أكدت احترام سيادة السودان على أرضه وعدم التدخل في شؤونه، فالرئيس عبد الفتاح السيسي تدخل وردّ للمرة الأولى على اتهامات السودان قائلاً في تصريحات صحافية أمس: «مصر لا تقوم بهذه الإجراءات الخسيسة، ونحن ندير سياسة شريفة في زمن عزّ فيه الشرف، ومصر لن تكون ذيلاً لأحد».
ورغم دلالات الاتهامات وتوثيقها بصور لمدرعات عسكرية داخل الحدود السودانية بزعم أنها جاءت من مصر، واختيار البشير توقيت الإعلان عن ذلك ومكانه من خلال حشد للجيش السوداني، لم تكن هذه الحادثة المؤشر الأول في تأزم مشهد العلاقات المصرية السودانية، إذ بدأت حملة إعلامية شرسة خلال الشهرين الأخيرين، مع حملات تحمل شعار «مصر ليست أخت بلادي» و«مصر عدو بلادي»، فضلاً عن تأكيدات متتالية من مسؤولين في الحكومة السودانية عن عدم تنازل السودان عن حقها في منطقة حلايب وشلاتيين. إلا أن البشير كان حريصاً دائماً على التأكيد على الودّ في علاقته مع السيسي، عندما صرّح قبل شهرين في حوار مع قناة «العربية» أن «مشكلة السودان مع النظام المصري وليس مع الرئيس السيسي».

حملة إعلامية
شرسة في السودان حملت شعار
«مصر عدوّ بلادي»


وفي حديث إلى «الأخبار»، أكدت مصادر دبلوماسية مطّلعة على ملف العلاقات مع السودان، أن تحركات البشير ضد مصر دائماً ما تكون مرهونة بإخفاقات يتعرض لها النظام السوادني، رابطةً توقيت هذه التصريحات بعد عدم الترحيب بحضور البشير في أعمال «القمة الأميركية العربية الإسلامية»، فضلاً عن التخوّفات الدائمة لدى السودان من عدم اقتناع الإدارة الأميركية بقيادة ترامب بالرفع الكلي للعقوبات الاقتصادية عن السودان، واعتقادها أن مصر أيضاً لا ترحّب بذلك وتدعم استمرار العقوبات، سواء التي تفرضها الإدارة الأميركية أو مجلس الأمن.
وأجمعت المصادر الدبلوماسية والأمنية، التي تحدثت إليها «الأخبار» في القاهرة، على نفي صحة المزاعم السودانية بأن تكون هذه المدرعات التي تحدث عنها البشير تابعة للجيش المصري، متحدية أن يكون لديه أيّ إثباتات عن دخول هذه المدرعات من مصر إلى الأراضي السودانية، خصوصاً «في توقيت لن ولم تفكر فيه القاهرة في فتح جبهة معادية ضدها في السودان».
إلا أن مصادر سوادنية أكدت رواية أن تكون هذه المدرعات قدمتها مصر إلى الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، الذي يحارب معه عدد من المرتزقة من المتمردين في دارفور، مثل حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي، وهي الرواية الأقرب إلى الصحة، خصوصاً في ظل عداء حفتر مع النظام السوداني الداعم لحكومة طرابلس.
وترى أماني الطويل، مديرة وحدة الشؤون الأفريقية في مركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أن النظام السوداني لدية خط ثابت بافتعال الأزمة مع مصر، وخلق فجوة بين البلدين، لافتةً إلى أن هذا الهجوم يستهدف تقويض آلية الحوار السياسي التي بدأها وزير الخارجية سامح شكري في الخرطوم مؤخراً، فضلاً عن إرباك المشهد للتغطية على الموقف السوداني من سدّ النهضة، والذي تعلم الحكومة المصرية مدى إضراره بمصالحها المائية.
وأوضحت الطويل أن النظام السوداني لا يزال يستخدم ويستقوي بقطر ضد مصر، في إطار المحاولة لتحجيم الموقف المصري عربياً وإقليمياً في المحيط الافريقي بشكل خاص. وأكدت الطويل أن العلاقات المصرية السودانية حرجة وحساسة، ودائماً ما تواجه مثل هذه الأزمات بنحو يكاد يكون منتظماً، لكن المكوّن العاطفي وعلاقات النسب والتقارب المصري السوداني دائماً ما تحمي العلاقة من الانهيار.
وتبقي القاهرة على استمرار المحاولات الدبلوماسية لاحتواء الأزمة في إطار تبنّي سياسة هادئة مع الاستمرار في النفي الرسمي للمزاعم المتتالية التي يتحدث عنها النظام السوداني. لكن هذه السياسة لا تنفي حالة الحذر التي تتعامل بها القاهرة مع الخرطوم، خصوصاً في ظل استمرار التهديد السوداني للأمن المائي المصري وتقاربها القوي مع إثيوبيا في ملف مياه النيل، ومحاولات الحكومة السودانية استغلال كافة نصيبها من مياه النيل والتوسع في مشروعات زراعية مستهلكة للمياه، وهو التهديد المباشر والأقرب لمصر في تأمين حصتها السنوية من مياه النهر.