أمس، كان يوم الرضاعة العلنية أمام مبنى نقابة الصيادلة. لم يكن الهدف من هذا النشاط هو مجرّد التسلية، وإنما توجيه رسالة مفادها أن الرضاعة الطبيعية هي الأساس لتعزيز صحة الأطفال والأم معاً"15% فقط هو عدد الأمهات اللواتي يرضعن أطفالهنّ رضاعة طبيعة في لبنان، منهنّ 1% فقط في مدينة بيروت". هذا آخر إحصاء "رسمي" للرضاعة الطبيعية والذي كان قد أعدّه مكتب الإحصاء المركزي، بالتعاون مع منظمة الأمم المتّحدة للطفولة.

في كل دول العالم المتقدّم، تحظى الرضاعة الطبيعية بالأولوية ضمن البرامج الصحية، إلا في لبنان، فتأتي الأولوية لـ"كم نجني من الأرباح؟". هذا السؤال الذي يتفوّق على حساباتٍ أخرى، منها حسابات الصحّة.
هنا، في البلد العائم بالنفايات والفساد، تحرم الأم من متعة الرضاعة الطبيعية، بسبب ميزان "الربح والخسارة". وبرغم وجود قانون "حماية الرضاعة الطبيعية" ـ (الصادر في عام 2008 ويحمل الرقم 47) ـ الذي يمنع "كل سبل الترويج لأطعمة الأطفال من عمر 0 إلى 36 شهراً وكافة الأدوات المخصصة لتقديمها"، لا تزال الرضاعة الطبيعية موجودة في محيط الفقراء، غير القادرين على شراء "البيبرونات" والحليب الصناعي. والأنكى من ذلك، أن كثيراً من المعنيين بهذا القانون ينفون علمهم بالقانون، علماً أنه عندما تصدر القوانين "تبلّغ حيث تدعو الحاجة". هذا في المبدأ، أما على أرض الواقع، فقانون كهذا يناقض عقلية الربح.

يزيد الإعتماد على
«الرضاعة الإصطناعية»
معدلات وفيات الأطفال


هذه العقلية التي تدفع كثيراً من الصيادلة إلى وضع إعلانات ترويجية لشركات تصنيع عبوات الحليب الصناعي وترويجها بديلاً من الرضاعة الطبيعية. ولمزيد من التأكيد، يمكن العودة إلى المخالفات التي تمكنت جمعية "لاكتيكا" من تسجيلها لدى وزارة الصحة، والتي تتعلق بعددٍ من الصيدليات التي تقوم بالترويج لإحدى "ماركات" عبوات الحليب للأطفال، من خلال ترويج الإعلان "المغري" والذي يقول للأم: اشتري عبوتين من هذا المنتج وستحصلين على الثالثة مجاناً. وهذا إن عنى شيئاً، فهو يعني تشجيع الأم على ترك الرضاعة الطبيعية.
وثمة ما هو أقسى من فعل تلك الصيدليات التي لا تبغي شيئاً سوى الربح، ولو على حساب صحّة الأطفال، وهو ما تفعله بعض المستشفيات التي يفترض أنها الأساس في حثّ الأم على تشجيع الرضاعة الطبيعية. ويمكن الاكتفاء هنا بالحفل الترويجي الذي أقامته مستشفى "بلفيو الطبي"، قبل نحو عامين، لإحدى ماركات عبوات الحليب.
وكل هذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على تلكؤ الجهات المعنية في تطبيق القانون، انطلاقاً من وزارة الصحة، مروراً بنقابة الأطباء، وصولاً إلى نقابة الصيادلة. ولأجل كل هذا، قامت أمهات، أمس، بإرضاع أطفالهنّ "علناً"ـ بدعوة من جمعية "لاكتيكا" ـ أمام مبنى نقابة الصيادلة، لحث هؤلاء على تطبيق القانون. تلك الوقفة التي جاءت تحت شعار "إذا ما عم يسمعوكن. ما فيهن ما يشوفوكن". هكذا، أرادت "لاكتيكا" من "الرضاعة العلنية" أن تكون رسالة للمعنيين بالتوقف عن الترويج العشوائي لمنتجات الأطفال وحليب البودرة وترك الخيار للأمهات "بأن يأخذن قرارهنّ عن وعي"، تقول دارين فارس، عضو الجمعية. فارس، الأم التي تؤمن بـ"قدسية" تلك الخطوة، تدعو الى "تشديد الإجراءات بحقّ المخالفين للقانون". وإذ اعتبرت بأنها ليست ضدّ "استعمال الأمهات، وتحديداً العاملات للقنينة الاصطناعية"، إلا أنها ضد "العشوائية في استعمالها"، فسوء الاستعمال وعدم إعطاء الفرصة للأم لتقرر ما الذي تريده يجعل من "تلك الهدية فخاً، إذ يفضّلها على صدر الأم". وهنا، لبّ المشكلة. تلك التي تعود بالأضرار على صحّة الأطفال. فمن المعروف أن حليب الأم غذاء متكامل للطفل، يحتوي على عدد من الأحماض والفيتامينات والبروتينات والمعادن والدهون والنشويات والمياه. وبالتالي، لا يوجد أي حليب آخر يحمل نفس مكونات وخصائص حليب الأم. وهو يعمل على إنتاج عناصر تقوم بحماية أجهزة جسم الطفل والحفاظ على وظائفها الحيوية وتقوية مناعة الطفل ضد عدد من الأمراض والفيروسات، مثل النزلات المعوية والتهاب الصدر والتهاب الأذن وغيرها من الأمراض التي يمكن أن تصيب الطفل في هذا العمر. من هنا، ينصح معظم الأطباء في العالم ومنظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية لما لها من فوائد لا تعدّ ولا تحصى للطفل والأم.

أضرار الرضاعة «الصناعية»

أما الرضاعة الصناعية، فدونها أضرار، لعلّ أهمها اثنان:
ـ زيادة نسب الوفاة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن هناك زيادة في معدل وفيات الأطفال الرضع، ولذلك لاعتمادهم على الرضاعة الصناعية مما يتسبب في انخفاض مناعة الطفل وتعرضه للكثير من الأمراض، ومنه إحصائيات منظمة الصحة العالمية التي تشير إلى وفاة 800 ألف طفل سنوياً.
ـ نقص العناصر الغذائية الضرورية: يحرم الحليب الصناعي الأطفال من الفوائد الموجودة في حليب الأم، ومنها الاوميغا 3 والأحماض الدهنية التي تعمل على بناء خلايا المخ والأحماض الأمينية الهامة في بناء الجهاز العصبي، إضافة إلى الكالسيوم والحديد وكل هذه العناصر تتواجد في حليب الأم بتركيزات ونسب متوازنة، ولا تستطيع أي شركة إنتاج حليب أن تنتجها.
أما النقطة الأخيرة التي تلفت إليها بعض الدراسات، فهو أن الرضاعة الطبيعية تعدّ أحد أسباب حماية الأم من بعض أنواع السرطانات، منها سرطان الثدي.

* للمشاركة في صفحة «صحة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]