«درامانا بخير». من يقول إن الدراما السورية تعاني أزمة وجودية وتترنح في غرفة الإنعاش، لا يعرف شيئاً عن الفنّ. فقد قرّرت «لجنة صناعة السينما والتلفزيون» وهي جهة صناعية تتعاطى مع المنتجين ويفترض انها تنظّم عملهم وتتابع تنازل الكتاب عن ملكية أفكارهم ونصوصهم، أن الدراما السورية بخير وأطلقت مهرجاناً فنياً لتكريم المنتجين والممثلين السورين (من بينهم ميلاد يوسف/الصورة) برعاية «وزارة الإعلام» و«وزارة الثقافة» و«غرفة صناعة دمشق» وريفها.
أقيمت اللجنة سهرة فنية على أن تكون بمثابة إفتتاحاً لموسم 2018، وحمل المهرجان عنوان «درامانا بخير» حيث مرّ ضيوف الحفلة على السجادة الحمراء في أحد فنادق دمشق... قبل أن يبدأ التكريم على «أبو جنب» كما يُقال في اللهجة الدارجة، إذ منحت دروعاً بلاستيكية لمجموعة كبيرة من الممثلين والمنتجين والمخرجين. بهذا العنوان الفضفاض انطلقت الأمسية، فجاءت النتيجة كالطفل الذي يلبس ثوب أبيه؟!. كان يكفي أن يجول المتابع على كواليس الحفلة الهزيل، ليكتشف حجم الكارثة التي تعانيها الدراما وإلى أين وصلت المساعي، ومن بات يتصدّى لمشاكلها ويحاول تصديرها على أنها بخير. يكفي أن يشاهد الفوضى العارمة التي تسيطر على عقلية وأسلوب عمل منظمّي مثل هذا الحفل الذي تسلّح بدعوة جورج وسوف. حضر الأخير على مزاجه لوقت قصير، وتجمهر حوله المعجبون من أصحاب الشهرة وغيرهم لالتقاط صور غزت السوشال ميديا بعد دقائق من إنتهاء السهرة، ربما لأنها كانت أثمن ما في الحدث، إضافة إلى الصور التذكارية والطاقة الإيجابية التي تسود عادة بين زملاء المهنة الواحدة في مثل هذه الأجواء وإن اتسمت بالفوضى وغياب التنظيم، لكن الطقوس الاجتماعية عادة تأخذ منحاها الإيجابي مستفيدة من عفوية الظرف. «درامانا بخير» وهي تذوق الامرّين كل يوم بسبب هذه العقلية وآلياتها الموارية للكارثة التي تواجه الصناعة، وتعتقد بأنّ حفلة هزيلة قد تنقذها مما هي فيه أو تداري على جرحها العميق. على أي حال، العنوان فتح باب النقد على مصراعيه، وكان مطية لمساحة شاسعة من التهكّم المحقّ، وإن كانت الحملة النقدية قد إنطلقت قبل إنعقاد السهرة بسبب أسلوب الدعوات، والطريقة السلبية التي تم التواصل بها مع الضيوف، إضافة إلى السخرية من تبعية هذه اللجنة إلى «وزارة الصناعة»، وتسليمها لشخص معدوم الخبرة الفنية. لكن الحالة راحت تأخذ بُعداً واقعياً وحقيقياً بعد النتائج الهزيلة. بعضهم ركّز على دعوات كمّ كبير من النساء اللواتي ليس لهن أيّ علاقة بالدراما لا من قريب ولا من بعيد، بينما أوغل آخرون بطريقة ساخرة ولاذعة كيف استفاق الشعب السوري ليجد على الفايسبوك بأنّ الدراما في بلاده باتت بألف خير. كذلك أحال آخرون الموضوع لمجلس الشعب بإعتبار أن أحد أعضائه، طالب أخيراً بإصدار قانون يمنع التطاول على المشهورين وانتقاد الشخصيات العامة؟!.
الدراما السورية ليست بخير إطلاقاً. يبدو الموضوع واضحاً بمجرّد حضور حفلة «لجنة صناعة السينما والتلفزيون»، والتعرف على منهجية العاملين التي تبيح عنها خطاباتهم الركيكة، وأسلوبية فهمهم للفنّ وتذوّقه الذي يتكشف مثلاً من خلال الدروع التكريمية البلاستيكية الرخيصة ليس بثمنها، بل بقيمتها الفنية والجمالية. لا يكفي القول بأن الدراما السورية ليست بخير هذه الأيام، لأنها هي في مأزق صعب وخطير، الحفل المهرجاني البائس يؤكّد ذلك.