بين ثنايا الرحلة التي يأخذنا اليها «شادفيل» في فيلم التحريك «الفيل الملك» ((إخراج هادي محمديان، كتابة عباس شرارة، إنتاج مشترك بين «شركة ميم» و«هنر بويا»)، من إحدى جزر إريتريا، مروراً بالحبشة وصولاً الى الحجاز...
مزيج من ضخ للقيم الإنسانية، والإتكاء على المرويات الدينية (قصة أبرهة الحبشي الواردة في القرآن والذي حاول مع مجموعة الفيلة هدم الكعبة في مكة)، وأيضاً مساحة أرحب للبصريات، عبر تنوّع الشخصيات الكرتونية، وحرفية أدائها وتجسيد سماتها الشخصية (شريرة/ طيبة)، عدا إستخدام تقنيات ومؤثرات حديثة في تصوير الأماكن الطبيعية، الزاخرة بالألوان الصاخبة والجميلة.
أمس، أطلق العرض الأول من «الفيل الملك» في «سينما سيتي» (وسط بيروت)، على أن يطرح رسمياً في الصالات بدءاً من 15 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. كان لافتاً في كلمة مدير عام شركة «ميم» عباس شرارة، تركيزه على كون الفيلم يقدم «النظرة المختلفة لحقيقة الفن والمنتجات الفنية»، في بقاء المضمون غير خاوٍ، وأيضاً في الخروج من كون العرب مستهلكين في عالم «الأنيميشن»، وليسوا صنّاعاً له، مختتماً كلامه، بالتوجه الى الأجهزة الرسمية بغية إيلائها إهتماماً بصناعة هذا الفن، وتطوير مناهج الدراسة في المعاهد والكليات للتطوير وخلق فرص عمل.
الفيلم يأتي بعيد عملين إثنين للشركة نفسها: «ملكة الروم» (2015)، «العودة» (2016)، بتقينة التحريك أيضاً. وهذه المرة، كان بارزاً مشاركة أسماء نجوم ساعدوا في تطعيم هذا الفيلم، وإعطاء شخصياته حيّزاً: رودي قليعاني (دور البطل شادفيل)، جورج خباز ( الفأر فرفور)، خالد السيد (أسفل السافلين)، نسرين مسعود (مريم)، جمانة الزنجي (مافيل)، محمد شمص (غافيل). هذه الشخصيات الكرتونية، استغرقت وقتاً طويلاً في التجسيد، وإعطاءها «الكاراكتير»، وقد أراد صنّاعها أن تكون قريبة من الأطفال، من خلال التركيز في الرسم على الخطوط الحادة التكعبيبة، والإنسيابية الدائرية. إلا أنّ «الفيل الملك»، يرتكز بشكل كبير إلى عامل الفكاهة، والإضحاك، من خلال المواقف التي يواجهها الفيل «شادفيل» السمين الذي يسخر منه باقي رفاقه من الفيلة، بكونه غير نافع، ودائم التخريب والمشاكل. لكن في السرد، سنتابع صراعه بين مغريات الملك الحبشي، وبين طيبته وحبه للناس، ضمن رحلة يساق فيها مع باقي الحيوانات في سفينة «أسفل» أشهر الصيادين، الى الحبشة. بعدها، تبدأ مغامرة جديدة، مع الفأر فرفور الشقيّ، الذي أتقن خباز تجسيد هذه الشخصية، ونكّهها بلغة تراوح ما بين المحكية والفصحى، الى جانب شخصية «مريم» الطفلة العطوفة، التي تتعرف الى أمها متأخرة في مكة، بعد تركها جدها الكاهن «بابا برنابا» المتمرّد على أحكام الطاغية «أبرهة».
إذاً للسنة الثالثة على التوالي، تتحدى شركة «ميم» عوائق صناعة «الأنيميشن» في لبنان، وحتى في العالم العربي، وتذهب أبعد في الصورة والرسالة والمضمون الجيد والمسلي في آن، الممزوج بأداء عال، وحرفية لافتة. «الفيل الملك» يستحق أن يشاهد، وأن تدعم هذه الصناعة رسمياً، ولا تقتصر على أفراد يحاولون تقديم مادة سينمائية راقية، في بحر ما يعرض اليوم، من مواد خاوية.

* إطلاق عروض «الفيل الملك» في الصالات اللبنانية بدءاً من 15 كانون الأول (ديسمبر) الحالي