الوسط التجاري ليس ميتاً. هذا صحيح. الميت لا يصدر أصواتاً. وثمة ضجيج في وسط المدينة. أصوات متشابكة ممزوجة بعضها بالبعض الآخر، تئنّ خلف الجدران أو بينها. إنما، في حضرتها دائماً. المكان مرسوم. محاط بالشرائط الأمنية الصفراء ومكعبات الباطون المسلح. مكتوب على المكعبات: بيروت. المكعبات بباطونها مجسّم المدينة. المدينة التي صمّمت معزولة، ممنوعة من أي تفاعل مديني. إنه شيء يشبه الضجيج إذاً. فهو محصور داخل البقعة الجديدة، «سوليدير». الشركة وشمت المكان باسمها أيضاً، والجميع يعرف ذلك.
وقد تصالح الشعب مع الواقع، ولو على مضض. لكن هذا المشهد اليومي مشبع بجمودٍ رهيب. كُتب عن خلوّه من سكان عاديين كثيراً. حتى عابروه مصنّفون طبقياً. والجميع تصالح مع هذا أيضاً. الزوّار محروسون بالجدران. الجدران والضجر صفتان متلازمتان عادةً. وفي «سوليدير» يتآلف العاملان. المباني العملاقة بلا نوافذ. فالنوافذ التي فيها مقفلة دائماً. لا أحد يطلّ برأسه منها. يدخل الموظفون إلى وظائفهم ويخرجون منها عبر أبواب صغيرة لا تشبه ضخامة المباني. كأنهم أشباح ملونة.
في الصباح يأتي الموظفون. تمتلئُ المواقف بالسيارات وتتفشى رائحتها المؤذية قرب البرلمان والسرايا ومقر الأمم المتحدة. يصرفون من أعمارهم في أعمالهم بلا تفاعل يُذكر. سارة منهم، رغم أنها عاشت في نيويورك سابقاً. نظرياً، يُفترض أن تجيد سارة السباحة في المدينة. لكن مهلاً ... «بيروت ليست مدينة». لا تعترف بمدينية المكان. «سمّه ما شئت»، تقول، وتعطي الأمثلة بسخاء: «مجموعة شوارع، تقاطعات مُفتعلة، مشروع عقاري ناجح، بازار لبناني بامتياز ... إلخ ». حذار أن تقول مدينة على مسمع الصبيّة التي تنقلت بين بروكلين ومانهاتن. تستدرك: «لا أقارن بين بيروت ونيويورك ... أقصد أن هذه البيروت نفسها يمكن شحنها في باخرة ونقلها إلى أي مكان في العالم». قد تفاجأ سارة، إذا عرفت أن شحن المدينة نظرية معقولة. ففي وقت سابق، كشف مدير العمليات في سوليدير، منيب حمود، أن مشروعاً لتطوير وسط مدينة جدة السعودية، خطط له على أساس أن تنفذ «سوليدير» المشروع الممتد على مساحة 6 ملايين متر مربع، ويجمع تقريباً 25 مليون متر من الأعمال. حينها، أشار حمود أيضاً إلى أن «سوليدير» تشارك في مشاريع أخرى مماثلة في كل من القاهرة وعجمان. مشاريع شحن المدن الباطونية.
يعيد مشروع «سوليدير» الذاكرة إلى حديث سابق للمعماري برنار شويري. هو لا يعترف ببيروت مدينةً. ببساطة، بعد الحرب «لم تبن الأمة». وتالياً، بناء «سوليدير» ترقيع سابق لأوانه. العمارات مرايا نائمة، تعكس طبيعة الشعوب، وتفسر حجم التفاعل بينها. وبعيداً عن فخ السياسة، وما يُقال عن «سوليدير»، يجزم كثير من المعماريين المرموقين في لبنان بأن بناء وسط المدينة لم يكن صدفة، بل جزء من مشروع عقاري. أحد رجال الأمن، الذي يقيم في المنطقة، بحكم خدمته العسكرية، يبدو بعيداً عن هذه التعقيدات من الناحية النظرية. الأمر بسيط بالنسبة إليه. هذه «ليست منطقته». الرجل معتاد على «الغيتو»، أي العيش مع مجموعة متطابقة في الأنماط الاجتماعية. وفي «الداون تاون» يأخذ الغيتو شكلاً رأسمالياً مبالغاً فيه، لا يمكن تلطيفه. رجل الأمن، يحضر زوادة الأيام الثلاثة التي يقيم فيها في الوسط سلفاً. ما يؤلمه أنه لم يحفظ الوجوه التي تمر دائماً قربه، «رغم أنها متشابهة». لا يفهم ما الذي يصيب الناس حين يتمشّون قرب ساحة النجمة. يفرض المكان عليها إيقاعاً سحرياً، فتصبح كلها على نمطٍ واحد. هنا، «الفقراء يقلدون الأغنياء»، يجزم.

التسوق في «السوكس»


الدولة حاضرة بقوة هنا. لكن أين المواطنون؟ إنهم في قرية الصيفي، أو «الصيفي فيليج». يتبضّعون من أسواق بيروت. والأصح أيضاً، «بيروت سوكس». لفترة طويلة، لم تفهم زينة أصل كلمة سوكس. ظنّته «مصطلحاً تركياً»، تُقسم، للتأكيد. اختلطت عليها الأمور، بين أسماء من نوع سوق الطويلة، وسوق العتيق، وأبو النصر، إلخ، باحثةً عن الرابط بين هذه المصطلحات القديمة، ومصطلح «سوكس» الذي اكتشفت لاحقاً أنها مفردة تدلّ على جمع «سوق» بلاتينية هجينة. السيدة التي تعمل على «أطراف» المدينة تفهم أكثر من غيرها التحول المديني الذي أصاب بيروت، لأنها كانت من سكان «الوادي» سابقاً، أي وادي أبو جميل. ببساطة، «لقد تحوّل ما كان يُعرف بوسط البلد إلى مشروع عقاري». وللأمانة، «مشروع عقاري ناجح»، لكنه يبقى عقارياً ولا يعيد الروح إلى المكان. يلاقيها في ذلك أحد المسؤولين في بلدية بيروت. المسؤول لا يعرف «صراحةً» إذا كان «هناك سكان في الوسط أصلاً». «يظن» أو «يرجح» أن معظم «الذين نراهم» هم ضيوف وموظفون وطبعاً ... سيّاح. وعندما نصرّ على عدد السكان، يحيلنا إلى «الصيفي فيليج»، فربما «نجد شيئاً هناك». وهناك، لا آثار للحياة. مجرد مقاعد لا يجلس عليها إلا عمّال يرمون تعب النهار، ومطعم يحرس «القرية» ويقيس أهمية زائريه على شكل ربطات العنق التي يرتدونها. في الأساس، ما الذي يمكن أن تفعله «قرية» في قلب المدينة المريّفة أصلاً بفعل الحروب الأهلية والنزوح المتواصل. ولهذا، ما أوحي من حديث المسؤول، أن العلاقة بين البلدية والوسط، علاقة رمزية، يبدو منطقياً في الصيفي. فهي تقتصر على المبنى البلدي الجميل، المزروع في وسطها، وعلى رابطٍ اسمي ـــــ رمزي، حيث يجمع اسم المدينة بين وسطها وبلديتها.
عملياً، اختفى المالكون الأصليّون. «الجوهرجيّة» الذين يفتحون أسواقهم باكراً، وسكان وادي أبو جميل، اليهود سالفاً، والمهجرون الشيعة آنفاً. جماعة الطبقة الوسطى الذين بنوا بيروت بعد المعاهدة الشهيرة بين العثمانيين والدول الأوروبية في نهايات القرن التاسع عشر اختفوا أيضاً. بائع العصير وكشك الصحف وبائع الفلافل غادروا بعد الحرب تزامناً مع مغادرة زبائنهم. هل تستطيع بلدية بيروت منح «ترخيص» لهؤلاء للعمل في شوارعها مثلاً؟ يجزم مصدر في البلدية بأن البلدية «لا تفكر بشيء مماثل إطلاقاً». اختفى الجميع حتى الباحثون عن رزقهم في زحمة المدينة. ولولا «بيت الوسط» الغني عن التعريف، لما عرف أحد أن أحداً يقطن هناك. فقد تحولت ملكية الأرض إلى أسهم في شركة ضخمة. على الأقل، البيت ما زال بيتاً، من الناحية الهندسية؛ إذ إنه محصّن بواجهة صوانيّة رمليّة، كما أنه متعدد الطبقات، ومزيّن بقناطر على النسق العثماني القديم، وفيه شيء من العمارة التوسكانية. حاله حال الوحدات السكنية الأخرى في الوسط، التي «يتعذر» الحديث مع سكانها، لكونها محروسة بالعوائق الحديدية، وتبدو كالمهجورة من كل شيء، إلا من رجال الأمن. الأخيرون في الصيفي يضحكون، إذ يسألون عن سكان وسرعان ما يطلبون منا المغادرة. «بيت الوسط» شيء آخر، فهو الأخير المتبقي من المعالم القديمة، وقد أضيف إليه جيش من الحرس، أصبحوا الواجهة الجديدة للمكان. يتشابه الحرس ولا شبه بين البيت والتجمعات التجارية الجديدة. ويُحكى أن زوار الحيّ الجدد عملوا على «نقل» أو «طرد» السكان الذين نجوا من هجمة «سوليدير»، إلى مكان آخر، فصارت على ما هي عليه الآن: منطقة تجارية ـــــ أمنية أكثر مما هي سكنية.

وللمناسبة، السيّاح متناقضون في رؤيتهم لهذه الشركة ـــــ المدينة. كيارا الإيطالية تشعر بافتعال في الجدران: «كأن الذين بنوا هذه المدينة بنوها لسنوات لاحقة لا لحاضرها». تعرف الإيطالية المقيمة في بيروت أن لبنان خارج من الحرب، لكن لا علاقة لذلك بتخلفه عن الحداثة، المشكلة في «صناعة الحداثة كما في سوليدير». تشعر أن تلك المباني مستوردة، ولا «تشبه مثيلاتها الحقيقية في الجميزة وجبيل وكورنيش النهر». وعلى نقيض منها، تحب نور السعودية الوسط «لأنه مثل أوروبا ولا سيارات فيه». يعني ذلك أنه لا يشبه لبنان الآن. وهذا يعيد الذاكرة مجدداً إلى نظرة المعماري اللبناني للمدينة: «عندما كنت تنظر إلى سوليدير في التسعينيّات كنت تتساءل: إلى أي مدى يُمكن أن يكون ما تفعله ديناميكياً؟ غير أنّ الأمر كان مخيّباً للآمال، فقد جرى التغاضي عن ديناميّات بناء المدينة ورُكّز فقط على انعكاسها في المستقبل غير المنظور». والمستقبل، أي الحاضر، صنع مدينة أشباح. صحيح انها أشباح ملونة، لكنها أشباح.

عمّال الوسط

عند الظهر، تتحرك الكراسي. أناس يدخلون المقاهي لساعات ويخرجون منها. لا يتركون أثراً حتى. يهرع النُّدل قبل الجميع لتنظيف حضور العابرين. في التاسعة صباحاً، يجب أن يكون حسين أمام شارع المقاهي يخطو خطواته الأخيرة نحو المقهى الذي يعمل فيه نادلاً. يسبق الجميع. التأخر يعني الإنذار، وتالياً، الطرد. سابقاً، كان «فاتح ع حسابو» . لكن «بيع الفول خسّير». تحوّل الفوال نادلاً. لم يفكر حتى في بيع الفول في وسط المدينة : «شو مجنون أنت؟»، يضحك. الطريق طويلة من دير قوبل إلى العاصمة، وجمالها (الطريق) ينتهي لحظة الوصول. يرى الأشياء ذاتها يومياً. حفظ في الشويفات رجلاً يدقق في النفايات بشهوة، وحفظ رجلاً يشبهه قرب المقهى يمسح الغبار عن الأعمدة المثبتة بالأرصفة. لكن الأول يؤدي عمله بشهوة، والثاني يداعب الأعمدة بقرف. لا علاقة للأمر بالعمل وطبيعته. العمال ـــــ غالباً ـــــ يحبون أماكن عملهم. قد يكرهون صاحب العمل أو يضيقون ذرعاً من الضغوط الجسدية التي تواجههم، لكنهم، غالباً، يحبون المكان. يتبادلون معه اليوميات، فيترك حوادث في رؤوسهم، ويتركون فيه تعباً. حسين يكره العاصمة. يكره المكان. لا مكان واحداً فيها يشبهه. لا يطلب أن يصبح وسط المدينة «مثل حي السلم»، يطلب فقط أن تسقط الأعباء النفسية التي يسببها الناس هنا له. العاصمة عصية عليه، هو الذي لا يستطيع الإقامة إلا في الضواحي. هنا مكان عمل بالنسبة إليه.
وعلى نقيض من «استسلام» حسين، لواقع المدينة، تبدو ماريانا أكثر تفاعلاً منه بكثير. الصبيّة التي تعمل في أحد محال الثياب، صارت تشبه المحل، وزبائنه. الزبون الذي يدفع ألف دولار هو زبون «عادي». مجرد عابر. الزبون «المهم» هو الذي يدفع ألفي دولار أسبوعياً، كمعدل «وسطي». صحيح أن ماريانا عاملة، لكنها «زبونة» أيضاً. صارت «تقسط» من المحل الذي تعمل فيه. ومع الحسم، ترتدي بنطلوناً قيمته 500 دولار أميركي. تقسط البنطلون على خمس دفعات، فراتبها لا يتحاوز 600 دولار. تركت الجامعة اللبنانية أيضاً، والتحقت بالجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، لأنها جامعة «عصرية». طبعاً لا يستند تقويمها إلى أساس علمي، وتعترف بذلك: «الآي يو أس تي ألا مود أكتر ... بتعرف يعني، كريدي وهيك»، تعقّب، شارحةً نمط الدراسة الأميركي. ثم تردف كأنها نسيت شيئاً هاماً: «إيه إيه الدي تي بتشبه أميركا، بحسّ هيك».
في النهاية، «الدي تي» لا تشبه أميركا. وإن كان الاصطلاح الدال عليها بالغ الأميركية لغوياً. فيها جمود بات الحديث عنه روتينياً حدّ الضجر. وهي، شبه مدينة، لم تتحرك إلا عندما مرّ «أمير» سكران وشتم البلد وأهله. حينها، استنفرت «اللحظة» نخوة الشباب والتحقوا بالشرطي، على قاعدة «أنا وخيّي على ابن عمي وأنا وابن عمّي على الغريب». هؤلاء الذين لطالما شعروا بأنهم غرباء هناك وبحثوا عن سكان احتلوا أمكنتهم ومدينتهم. ولم يجدوا أحداً سوى ذلك السائح، الذي اختزل في «لحظة» كل عدائهم للمدينة. وجدوا أنفسهم إلى جانب الشرطي، الذي كان من الممكن أن يكون نفسه، الذي سئم «خدمته» في الوسط التجاري. انتهت التحقيقات والعقوبات. خرج الشرطي المعاقب ونامت القصة وتخدّرت العلاقة مع المدينة التي تمثل أنياب «الدولة» الاقتصادية بعد الحرب. لاحقاً، ومنذ فترة غير بعيدة، تكرّرت الحادثة، وضرب «أمير» آخر، لكن الحادثة طمرت. فقد ضربه مرافقو إحدى الشخصيات السياسية. هذه المرة اختلفت الدوافع، وكانت الحلول الميدانية سهلة. سكت الجميع. لكن ذلك القبول الجماعي بالسكوت لا بد أن يحرك شيئاً. على الأقل، أن يحفز الشك في صدر الزائر عن هوية وسط بيروت وإمكان تفاعله مع أهله. مرة بعد مرة، يصبح السؤال أصعب، إذ يصبح هناك سكان وزوّار أجدد. فحتى هواة المدينة الجديدة وأعداء النوستالجيا باتوا محاصرين بأسئلة ضخمة. أين النوافذ وأين المنازل والعابرون والسكان الأصليون؟ من هو هذا الذي تجرأ وأغلق «باب ادريس»، رامياً المفتاح في البحر القريب؟ قد تكون الإجابة في «حادثة الأمير» الأولى. لا أحد راضٍ عن تركيبة العاصمة، وإن كان فرش الخيام فيها، لا يتخطى كونه انتقاماً من صورتها المفروضة.



تبخّر صالات السينما

في الخمسينيات من القرن الماضي، كان لبنان يطلّ على العالم من وسط عاصمته، عبر السينما. بعد الحرب، اختفت صالات «كريستال»، «أوبرا»، «أمبير»، و«روكسي». وبنومها تحت أنقاض الحرب، نام الزوار، وخفّ العيش في المدينة. فقد كان عدد الصالات وافراً وتصميمها مريحاً، كما يؤكد أصحاب الذاكرة أن التجهيزات كانت تؤمّن «أفضل الظروف لعرض الأفلام». كانت الرقابة «مقبولة»، بالمقارنة مع البلدان العربية الأخرى، ولم يكن مقص الرقيب يقتطع إلا نادراً، على ذمة المتابعين. لكن «المُقتطَع» كان من أفلام تعدّ اليوم من كلاسيكيات السينما العالمية، مثل «ساتيريكون» للمخرج الإيطالي فدريكو فيلليني، و«التانغو الأخير في باريس» الذي أدى بطولته الأميركي الشهير مارلن براندو، وأخرجه برتولوتشي. اليوم، تعرض صالات بيروت، البعيدة عن الوسط نسبياً، بالمقياس الثقافي والاجتماعي، أفلاماً هوليوودية في معظمها، أقرب بنظر كثيرين من متابعي السينما إلى التجارة من السينما.
ولهذه الأسباب، يرى البعض أن غياب صالات السينما عن وسط المدينة الجديد يفسر «طبيعتها الاستهلاكية» حديثاً، إذ لم يُراعَ تاريخ الصالات القديمة نهائياً، علماً بأن منطقة «البلد» اقترنت لفترة طويلة قبل الحرب، بالنسبة إلى كثيرين، بصالات السينما، أكثر من أيّ شيء آخر. ويرفض هؤلاء رفضاً قاطعاً اعتبار «تجاهل بناء الصالات القديمة حدثاً عابراً».
على العكس، ففي العالم، الصالات قريبة من البيوت، مهما اختلفت الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها سكان تلك البيوت، وليس كما يشاع هنا أن «السينما للميسورين فقط».



«نيو ــ سنسول»


في الطريق التي تصل بين كورنيش المنارة ومجمّع «البيال»، ثمة كورنيش جديد. «السنسول» البحري الملاصق لوسط المدينة التجاري، والذي يبدأ (نظرياً) من فندق السان جورج، ويمتد على مساحة كبيرة، وصولاً إلى مجمّع المعارض الضخم. وللوهلة الأولى، يُوحى للناظر أن المكان ممنوع، فالناس فيه، إن وجدوا، يكونون مبعثرين وقلة. كما أنهم للوصول إلى «السنسول»، عليهم أن يتخطوا مواقف السيارات، ما يجعلهم يختفون خلفها. إلى ذلك، وربما على عكس المبتغى من مهماتهم، فإن رجال الأمن، التابعين لشركة خاصة، ينفرّون المارة، الذين يخال معظمهم المكان مغلقاً. ويتطلب الدخول إلى السنسول ثلاث مراحل. أولاً، الرغبة في اكتشاف المشهد القابع خلف السيارات، ثانياً، التجرؤ على تخطي الحواجز الباطونية المغرزة بالكورنيش، وثالثاً، نسيان وظيفة رجال الأمن، إذ ليس للأخيرين سلطة لمنع الناس من الدخول، لكن اصطفافهم وحركتهم في المكان يوحيان بذلك. فحين نتحدث عن «رجال أمن»، ببزّات متشابهة، وأجهزة لاسلكيّة، فإننا نتحدث عن رجال ينفذون مهماتهم بدقة. وقد تكون المهمة «تخفيف» العبور إلى السنسول قدر المستطاع!