هل تتناول الفطور مع عائلتك؟ هل تحادث أمّك وأباك قبل الذهاب إلى الجامعة أو إلى العمل؟
هل تزور عائلتك أنت وأطفالك؟ وهل تزور قريتك، ترمّم منزلاً أو تسعى إلى بناء واحد لك، قرب بيت الأهل أو الأقارب؟
هل تركب السرفيس، وهل تواجه معاناة انتظار الفان وقتاً غير قصير مع منسوب إضافي من التأفف؟
هل تستعد للأعياد، الدينية منها أو الاجتماعية أو حتى الوطنية؟
هل تلقي تحية الصباح على جيرانك، أو تسأل عنهم وتزورهم أو تلتقيهم في أيام العطل؟
هل تذهب إلى دكان الحي، فتشتري اللبنة والجبنة والبيض، وتسأل صاحب المحل عن أحواله وأخبار أهله؟
هل تشارك أهلك في طقوسهم، أو تتعرف عليها عن قرب، أو تحاول التعايش معها على نحو طبيعي لا نفور فيه؟
هل ترفع صوتك في وجه الأكبر منك، أو تحادثه بلهجة فوقية؟
هل تمضي وقتاً مع جدك أو جديك، وتحدثه أو تحادثهما بجدية من دون استهزاء؟
هل تشارك في قطاف الزيتون، أو حصاد موسم الدخان، أو قطف العنب والتفاح أو فلاحة الأرض؟ وهل تصرف وقتاً من أجل سهرة عائلية أو نهار طويل مع أولاد الإخوة والأخوات؟
هل تقدر على تهيئة نفسك لمتابعة مسلسل اجتماعي تنتظره العائلة مساء كل خميس؟
هل تزور المقبرة، حيث دفن من مات من المقربين منك أو من أهلك؟
هل ترتب سريرك صباحاً، وتعيد الأغراض إلى مكانها بعد استخدامها، أو تستيقظ باكراً لكي توصل أحد أفراد أسرتك الى مدرسته أو عمله؟
هل تقصد محل البلياردو في الحي حيث تسكن، أو تقصد نادي البلدة للمشاركة في حفل خطابي أو تكريم؟
هل تتصل بأبناء العم والجيران مهنئاً إياهم بالنجاح في الامتحانات الرسمية؟
هل تقرأ الفاتحة في مأتم عزاء، أو تقرع جرس الكنيسة حزناً على جار أو قريب؟
هل تتذكر تواريخ ميلاد أفراد العائلة، وتستعد للاتصال بهم؟
هل تحمل قنينة الغاز من دكان في آخر الشارع الى بيتك، أو تنتظر في صف طويل لملء المياه من خزان للعموم في الحي؟
إن كنت تفعل ذلك، فأنت مريض يحتاج الى عناية فائقة في عيادة وُضع على طاولات غرفة الاستقبال فيها كتاب «اليساروي السابق لزمانه»، ثم لا يلبث الطبيب أن يقدم إليك النصائح الآتية:
لا يجوز أن تبقى على علاقات جيدة مع أهلك!
عليك ترك عاداتهم وتقاليدهم، ونبذ أفكارهم، والابتعاد عن مكان سكنهم، وبيع ما ورثته من أملاك كانت لهم في قريتك!
يجب أن تكون لك موسيقى خاصة بك، لا يفهمها أهل الحارة، ولا يعرف صاحب الدكان مؤلفها، مثل الكتاب الذي تظهره من تحت إبطك، فيكون عنوانه طويلاً، فيه ما يشبه كل العقد التي تلتف حول عقلك!
تجنب ركوب السرفيس، ولو اضطررت الى الاستدانة من أجل شراء سيارة تجعلك بعيداً عن ضحيج الركاب وأحاديثهم المملة!
اختر منزلاً، أو غرفة في مكان بعيد عن أهلك، افعل كل ما يلزم لكي تعيش في المدينة، وتخلص من كل التزامات الأحياء الفقيرة والضواحي والقرى، وحيث تكون قادراً على انتظار المصعد مع جارك من دون الحاجة إلى أن تبادله تحية بحركة من الرأس لا أكثر، فلا تسمح له بسؤالك عن أحوالك، ولا أنت تسأله عن سبب انقطاع المياه أمس؟
ابتعد سريعاً عن المبنى، وادفع بعض النقود في جيب الناطور كي يتخلص من قمامتك، ويأتي لك ببعض الخبز والخضار، ثم ليأتي بمن يتولى تنظيف المنزل وغسل الثياب!
اشتم الله والأديان كافة، وكل ما يرمز إلى القداسة بالنسبة الى أهلك، او أهل بيتك، واسع إلى أن يكون سبابك بصوت مرتفع، فيتعرف عليك من لا يعرف أفكارك المتحررة الى أبعد مما يظن!
ابتسم وأنت تشتري الكحول بكثرة، واعرضها في خزانة عند مدخل البيت لمن يريد أن يكون نديماً لك، أو لمن تريد له أن يتعرف على فكرك العظيم!
خض معركة من أجل إقناع ابنة أخيك، أو ابنة عمك، بأن تكون حرة حتى من ثيابها، واجعلها نكتة بين الأهل إن قصدت الكنيسة كل أحد، وحث من بلغن سن الجامعة على الإسراع في إقامة علاقات جنسية متحررة مع من يصادفن، وأن يتمردن على كل شيء، فيحضرن الى المنزل بعد منتصف الليل، ويتقبلن سماع كل كلام شائن عن رفاق الجامعة او العمل!
اشتر الحشيشة وجربها، فهي مفيدة في كل الأحوال!
اسع إلى الهجرة إن استطعت الى ذلك سبيلاً، واقطع كل صلة لك بماضيك أو ماضي عائلتك إن كان في ذلك ما يلزمك بموقف يصنفه الغرب بالتقليدي أو المتخلف!
أطلق لحيتك دون أيّ ترتيب، وتجنب الثياب النظيفة حتى لو كانت جديدة، وارتد ما يجعلك مختلفاً عن الشكل الذي ألزمك أهلك به طيلة سنوات الطفولة والمراهقة، وإذا شعرت بقهر كبير، فاختر اسماً جديداً لك، اجعله من صنف يستفز الأقربين حتى تستفزهم فيبتعدوا!
امح من ذاكرتك كل كلام عن التصنيف الطبقي، واجعل آلة القياس الخاصة بك، بمن يحفظ حريتك كفرد. لا يهم أيّ آخر، فقط انتبه لنفسك، واحجز مقعدك في أقرب منظمة غير حكومية، وتعلم أصول الابتسام للرجل الأبيض، وغازله، فهو علماني مثلك، لا يهم إن كان مستعمراً أو غازياً أو محتلاً أو سارقاً... فقط احصل على وظيفة ورتب أمورك، ولو اضطرك الأمر الى وشاية أو نميمة أو اتهام!
إذا نجحت في ذلك، فابتسم، لأنك صرت يسارياً ليبرالياًَ مع شهادة منشأ!