كثيرون لم يفهموا حاجة سعد الحريري الى المزيد من المال بأي طريقة كانت، ظنّوا أن وريث رفيق الحريري يمتلك من الثروة الشخصية ما يكفي لقبول إجراء مراجعة جدّية لتجربة والده في إدارة السلطة وآليات التوزيع عبرها... لذلك راهنوا على أن يكون أقلّ ممانعة من المحيطين به للتوجّهات الإصلاحية الممكنة.إلا أن سعد الحريري كان لديه هموم أخرى، فثروته التي بلغت نحو 4.1 مليارات دولار عام 2006 كانت قد انخفضت عام 2009 الى 1.4 مليار دولار، أي إنه خسر نحو 2.7 مليار دولار في ثلاث سنوات بسبب جملة واسعة من العوامل الذاتية والموضوعية

، فالأزمة المالية العالمية كانت قد عصفت به مع كثيرين من المضاربين ومقتنصي المشاريع والعقود السخيّة، في الوقت الذي اشتدت فيه الهجمة عليه في السعودية، إذ إن بعض أطراف السلطة هناك استغلّوا غياب والده منذ عام 2005 لكي يفرضوا إعادة توزيع الحصص من مشاريع الدولة، ما فرض على شركة «سعودي أوجيه» التوسّع في الخارج وخوض منافسات حامية مع شركات أخرى للحصول على بعض المشاريع الجديدة بأسعار متدنّية، وقد حصل ذلك في ظل خلافات عائلية بين الورثة أدّت الى خروج شقيقه بهاء من الشركة والانفصال نهائياً عنه فيما كانت الشركة الضخمة قد سقطت في قبضة إدارة سيئة لا تمتلك الكفاءة أو الخبرة في تنفيذ المشاريع بأسعارها الحقيقية، ولا سيما في المملكة، إذ إن «سعودي أوجيه» كانت قد اعتادت نمطاً فاسداً جدّاً، فهي كانت تحظى بحصّتها من المشاريع بوسائل سهلة، وبأكلاف مفتوحة، ومن دون الاضطرار الى بذل أي جهد حقيقي.
عندما تسلّم سعد الحريري رئاسة الحكومة في لبنان كانت شركته في السعودية تتكبّد خسائر ثقيلة جدّاً، وبحسب معلومات موثوق بها من داخل الشركة، فقد بلغت قيمة الخسائر المتراكمة حتى الآن نحو 3 مليارات دولار، وبعكس الاعتقاد السائد، فإن هذه الخسائر لم تنجم عن مضايقات سياسية، و«العائلة المالكة»، حافظت على دعمها المطلق للوريث الشاب ولدوره السياسي، فسددت لشركته كل مستحقّاتها لدى الحكومة، ووفّرت له أموالاً هائلة لتمويل نشاطه الانتخابي والسياسي والإعلامي... لكن كل ذلك لم يكن كافياً لإنقاذه، ولعل هذه النتيجة «المخيّبة» كانت حافزاً لكي يتجرّأ بعض الأمراء والنافذين لدى حكّام المملكة ووسائل إعلامهم على طرح أسئلة عن مدى أهلية سعد الحريري نفسه لإدارة السلطة في لبنان، ولتجسيد مصالح المملكة فيها، إذ كيف يمكن الثقة بقدرات رجل فشل في المحافظة على صورة واحدة من أشهر الشركات السعودية؟
ظنّ سعد الحريري أنه والده، وأن الظروف التي أتت به الى رئاسة الحكومة هي نفسها التي أتت بوالده الى السلطة، فعمد الى تجاهل كل المتغيّرات والأحداث والتبدّلات على المستويات السياسية والاجتماعية والمالية، وسعى الى تحقيق منافع خاصّة تعوّض عليه بعض هذه الخسائر، وتجعله أقلّ تطلباً في علاقته مع حكّام السعودية، حيث سعى الى عرقلة أي توجّه إصلاحي، ولو بسيطاً جدّا، إذ اعترض سير مشاريع تطوير قطاع الاتصالات، وأصرّ على تخلّي الدولة عن كل مفاصل هذا القطاع، الذي يقدّر حجمه بأكثر من ملياري دولار سنوياً، مراهناً على نيل حصّة منه عبر شركاته مباشرةً، أو بطريقة غير مباشرة... كذلك خاض معركة مستغربة من أجل تقديم هدّية ثمينة الى شركة سوليدير عبر إعفاء هذه الشركة بطريقة شبه تامّة من الضرائب على فروق إعادة تقويم أصولها العقارية، وهو ما كان سيدرّ عليها أرباحاً بقيمة تتجاوز ملياري دولار، وفقاً لحسابات محافظة، لو سُمح بإمرار المادّة المذكورة، كذلك أوعز الى شركة سوليدير، بالتعاون مع مجلس الإنماء والإعمار، للإسراع في تسجيل أملاك الدولة في منطقة الردم في وسط بيروت باسمها، وهي عملية سرقة موصوفة، إذ إن الشركة تملّكت عقارات للدولة تصل قيمتها السوقية حالياً الى نحو 12 مليار دولار، لكن على أساس أسعار عام 1996، وذلك لقاء تنفيذ أعمال البنى التحتية التي تخدم الشركة، والتي لم يُنجَز سوى 70 % منها، وفقاً لإعلان الشركة نفسها، وبكلفة «مضخّمة» لهذه الأعمال قدّرت بنحو 470 مليون دولار.
لم ينجح سعد الحريري إلا قليلاً، فالفترة التي أمضاها في السلطة مباشرةً وبالواسطة (مرحلة فؤاد السنيورة) كانت شديدة التعقيد، بما يتجاوز كثيراً قدرته وفريقه على التعامل معها، وكانت باهظة الكلفة مالياً أيضاً... فيما مصادر الإثراء المموّهة بالمشاريع التي تنفّذها «سعودي أوجيه» كانت تجفّ تدريجاً، فسوء الإدارة والاختلاسات الناشطة داخل الشركة، والمحسوبيات وتشديد الرقابة على سير التنفيذ والاضطرار الى التنافس مع شركات أخرى للفوز بالمشاريع، واستعمال الدفعات الأولية المسبّقة (التي تصل الى 20% من كلفة المشروع) في غير موضعها، والعجز عن تسديد قيمة العقود من الباطن التي تمنحها الشركة لأطراف ثالثة... كلّها عوامل تضافرت لجعل أداء الشركة في أدنى مستوى، فخسرت تباعاً مشاريع مهمّة كان يمكن أن تسهم في إنقاذها، أو خسرت أموالاً في مشاريع لم تكن قادرة على تنفيذها، ولا سيما مشاريع بنايات الضمان، وجامعة العين، وتشرشل، وسرايا العقبة في الأردن، ومشروع جبل عمر. وكادت الشركة أن تخسر مشروع العبدلي في الأردن أيضاً، إذ إن صاحب المشروع، بهاء، شقيق سعد، أصدر قراراً بطرد «سعودي أوجيه» من أرض المشروع نتيجة عجزها عن الالتزام بالجداول الزمنية والمواصفات، إلا أن وساطات عدّة أعادت الشركة الى المشروع، لكن بشروط مشدّدة.
يقول العارفون بأوضاع شركة سعد الحريري إن إنقاذها لم يعد ممكناً إلا عبر إعادة هيكلتها وبيع بعض أصولها لتغطية الخسائر، ويبدو أن الخيار الأخير بدأ يتبلور، ولو على مضض، إذ سبق لسعد الحريري أن وافق على بيع حصص من شركات واستثمارات يمتلكها عبر «سعودي أوجيه»، منها شركة الاتصالات التركية، التي اشترت شركة الاتصالات السعودية 30% من حصّته فيها، كذلك شركة ميد غلف للتأمين التي اشتراها لطفي الزين... لكنّ العارفين أنفسهم يعتقدون أنّ «سعودي أوجيه» ليست جاهزة للعمل إلا وفقاً لمنظومة الفساد التي أوجدتها مع شركة بن لادن، أي تلك المنظومة التي سمحت بتسرّب مليارات الدولارات من أموال السعوديين الى جيوب النافذين بواسطة مشاريع مفتوحة الكلفة، وغير خاضعة لأيّ نوع من أنواع الرقابة الحقيقية!



17 دعوى

يتحدّث بعض العاملين في السعودية عن ارتفاع عدد الدعاوى المرفوعة ضد «سعودي أوجيه» إلى 17 دعوى، معظمها من مقاولين فشلوا على مدى السنوات الأخيرة في الحصول على قيمة عقودهم من الباطن المبرمة مع الشركة، وتصل بعض المطالبات الى 600 مليون ريال سعودي



عقود الباطن

الرواية الأكثر ترداداً بين السعوديين للدلالة على «الدلع» الذي أغنى أصحاب «سعودي أوجيه»، هي المتعلّقة بتلزيم هذه الشركة تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تطوير شارع الملك عبد الله في الرياض، فقد فازت الشركة بعقد قيمته 698 مليون ريال، فلزّمته عبر عقد من الباطن لشركة الأحدية بقيمة 400 مليون ريال، وقد لزّمت الشركة الأخيرة العقد بالطريقة نفسها لشركة الإسناد المعماري بقيمة 75 مليون ريال، وأخيراً لزّمت هذه الشركة العقد لشركة إنجاز السلام بقيمة 18.2 مليون ريال. وانتشرت هذه الرواية بعدما فشلت الشركة الأخيرة في التنفيذ لارتفاع الأكلاف