سارعت بعض قوى الأكثريّة الجديدة إلى اعتبار أن حملة تيّار المستقبل وحلفائه على سلاح المقاومة خطوة ناقصة وفاشلة. دارت الأسئلة حول ما يُمكن رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري القيام به بعد مهرجان يوم الأحد. وإذا بالرجل يتوجّه إلى الشمال ليُعيد تنظيم صفوفه، وخصوصاً في طرابلس، التي لم تُشارك بكثافة في مهرجان الأحد. ويبدو أن الرجل سيقوم بخطوات متلاحقة.في استعراض لما قالته الأكثريّة الجديدة، فقد راهنت هذه القوى على غطاء عربي لرئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي وخصوصاً من السعوديّة، وإذا بها تقطع علاقتها برئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط، وهو من طَرح اسم ميقاتي لرئاسة الحكومة، والوزير محمّد الصفدي. لاحقاً، استقبلت المملكة الحريري، رغم الكلام عن تراجعه عن التزامات قدّمها إلى الملك عبد الله، والكلام الذي قاله في «الحقيقة ليكس» عن محمد بن نايف؛ وما تلاه من هجوم إعلامي على الحريري في العديد من وسائل الإعلام السعوديّة، وهجوم بعض رجال الدين السعوديين على شركات آل الحريري في المملكة.
بدأ الحريري يستعيد بعض أنفاسه سعوديّاً، ثم زار المملكة، وذلك في إشارة إلى استعادة جناح الأميرين بندر بن سلطان ومقرن بن عبد العزيز قوّته. أفرجت المملكة عن بعض أمواله، رغم الفضائح الماليّة لشركة «سعودي أوجيه». استطاع الحريري تمويل حملته الإعلانيّة لمهرجان 13 آذار.
وفي قراءة هادئة للمسار الذي اتبعه الحريري، منذ تكليف ميقاتي، يُمكن الخروج بمجموعة خلاصات. فقد تلقّى الحريري صدمة خروجه من السلطة بطريقة أقلّ ما يُقال فيها إنها مرتجلة «وصبيانيّة». نزل جزء صغير من جمهوره إلى الشارع في يوم غضب فاشل، حُرقت فيه سيّارة بثّ تابعة لقناة الجزيرة، وحوصر إعلاميّون وأحرقت إطارات السيّارات من دون وجود جمهور حقيقي في الشارع. عادت صورة 5 شباط 2006، يوم أحرقت السفارة الدنماركيّة في الأشرفيّة، وبمجزرة حلبا في أيّار 2008 يوم قتل أحد عشر شاباً قومياً بدم بارد، وقد أُعيد افتتاح منفذية الحزب السوري القومي الاجتماعي في حلبا أوّل من أمس.
لكنّ الحريري وفريق مستشاريه استوعب الصدمة، وردّ عليها بسلسلة خطوات «ذكيّة»، ما يُعدّ علامةً فارقة في حياة سعد الحريري السياسيّة منذ عام 2005.
فجاء رُفع شعار رفض السلاح ليُقدّم للحريري خدمات جلّى. فبعدما تلقّى الرجل ضربات موجعة على الرأس، في ملف المحكمة الدوليّة، والتشكيك بصدقيّتها، تم الانتقال من الدفاع عن النفس وعن المحكمة إلى الهجوم على الفريق الآخر، عبر الهجوم على سلاح المقاومة، والتشكيك بقدرته على تأليف الحكومة.
تجدر الإشارة إلى أن حزب الله ظهر واعياً جداً لهذه النقطة. فأمينه العام السيّد حسن نصر الله قال في مهرجان التضامن مع الثورات العربيّة يوم السبت الماضي، إنه لم يسمع جديداً من فريق 14 آذار، في إشارة إلى أن استهداف السلاح ليس جديداً. رغم ذلك، ردّ على الأمر. لكنّ نصر الله أعاد التركيز على الموضوع الأساس وهو المحكمة الدوليّة وقرارها الظني. في المقابل، فإن أغلب فريق 8 آذار والأكثريّة الجديدة يردّ يومياً على الحريري وحلفائه، وهو مؤشّر لنجاح حملة الحريري. وقد يكون جنبلاط من القلّة الذين انتبهوا إلى هذا الأمر، فحذّر من الرغبة الأميركيّة في المقايضة بين سلاح المقاومة والمحكمة الدوليّة، وهو يُردّد دائماً أن الأميركيّين لا يرون في لبنان شيئاً غير سلاح المقاومة.
وفي مضمون خطوة الحريري، التي يبدو أن فريقه الإعلامي الجديد وراءها، فإن الرجل تبنّى ما هو أبعد من القرار 1559 من أجل استعادة الغربي له، «إذ إنه خسر هذا الدعم، يوم تخلّى عن القرار 1559، في الوقت الذي استمر فيه خصومه المحليون بتوجيه الضربات له واحدةً تلو الأخرى»، بحسب أحد مستشاري الحريري.
الأمر الثاني الأساسي الذي استطاع الحريري تحقيقه بمهرجان الأحد 13 آذار، ولاحقاً في زيارته الشماليّة، هو إعادة شدّ عصب جمهوره، وكسر حاجز الخوف عند هذا الجمهور، الذي شعر في مرحلة ما بأنه في موقع الضعف وبأنه غير قادر على القيام بالفعل السياسي وأن دوره يقتصر على ردّ الفعل. ونتيجة هذا الشعور، بدأ هذا الجمهور يبتعد تدريجاً عن الحريري لأنه كان يُقدّم التنازلات، ويخسر المعركة تلو الأخرى منذ فوزه بالانتخابات النيابيّة في عام 2009، سواء كان من خلال تأليف الحكومة، ولاحقاً استقالتها نتيجة استقالة ثلث وزرائها من دون رئيسها في سابقة هي الأولى من نوعها، أو من خلال زيارته إلى سوريا والاعتذار منها، ثم مذكرات الجلب السوريّة بحقّ مستشاري الحريري وفريقه السياسي.
أمّا الأمر الثالث الذي قام به الحريري، فهو إبلاغ من راهن على أنه سيخسر جمهوره لحظة خروجه من السلطة، إذ إن ما حصل في الشمال وما يُحضّر في البقاع، والذي يقول فريق الحريري إنه سيكون أكبر من الشمال، يُنبئ بأنه قادر على الحفاظ على قاعدته الشعبيّة؛ وخصوصاً أن فريق الحريري يعد بأن يكون العمل الإنمائي جدياً هذه المرّة عبر المؤسسات الخاصّة. ربما، هي المرّة الأولى التي يبدو أن الحريري يضع خطّة جديّة، ويظهر الرجل مرتاحاً أكثر، وخصوصاً أنه بات أكثر طلاقةً باللغة العربيّة بمساعدة شاشات القراءة وتدريبات المختصين.