«حُسم النقاش في شأن المنافسة مقابل الاحتكار. 98 % يريدون المنافسة، خدمات أكثر، سعراً أقل. 2% يريدون احتكاراً تديره الحكومة. احتُرم تصويت الشعب!». هكذا أطلّت حملة «Lebanese Want Fast Internet» عبر صفحتها على «الفايسبوك» أمس: النقاش محسوم، فالشعب اللبناني يريد الخصخصة، أي إنه لا يريد إنترنت سريعاً بأسعار أقل إلّا عبر شركات خاصّة، كشركة «سيدركوم»، صاحبة «MOBI»، التي سبق أن أنذرت الدولة وهددت بمقاضاتها إذا لم توقف أحد مشاريعها الحيوية لتزويد اللبنانيين بخدمات الجيل الثالث عبر شبكتي الهاتف الخلوي.

لقد حُسم النقاش، وعلى الجميع أن يصمت عن هذه الفضيحة، فلا وجود لتضارب فاضح في المصالح: مصلحة شركة تجارية تقدّم خدمة إنترنت اختبرها اللبنانيون، ومصلحة اللبنانيين بالحصول على أفضل خدمات الإنترنت وأقل الأسعار، (أليس هناك أحكام في القوانين اللبنانية تُعاقب على الخداع والغش وتضارب المصالح؟).
لكن هل النقاش حُسم فعلاً؟ وهل هذا ما يريده الشعب اللبناني حقّاً؟ هل يريد أن يبقى رهينة مصالح تجارية ومالية، خاصّة وشخصية محمية سياسياً؟ هل يدرك المنتسبون طوعاً وبناءً على اقتناع (يجب ألّا يتزعزع) بأنهم أجابوا عن سؤال، يشبه الحملة التي ينتسبون اليها، يتوسل إجاباتهم الصادقة لتوظيفها في معركة حامية الوطيس لإعاقة عمل الدولة ووظيفتها وواجبها بتوفير أجود خدمات الاتصالات (والإنترنت) وبأحدث التقنيات؟
ربّما لا يكون جميع من شاركوا في الاستطلاع، الذي أجرته الحملة «المريبة»، قد تسنّى لهم التدقيق جيّداً في السؤال المطروح عليهم، فهو جاء على الشكل الآتي: «هل صحيح أنّ زيادة التنافس تعني زيادة النوعيّة وتحسينها، ما يعني إنترنت أسرع، ما يعني أسعاراً أقلّ؟». الخياران للإجابة جرى حصرهما عن سابق تصور وتصميم: الأوّل: «نعم، نريد إنترنت أسرع على كامل الأراضي اللبنانيّة». الثاني: «كلّا، نريد احتكاراً في الاتصالات».
من الطبيعي أن يصوّت نحو 1025 مشاركة ومشاركاً مع الخيار الأوّل، فيما كانت حصّة الخيار الثاني نحو 22 صوتاً فقط. وبالتالي جاءت نتيجة الاستطلاع أنّ 98% من المُستطلَعين مع «الإنترنت السريع»، و2 % مع «الاحتكار». أليس ذلك منطقياً جدّاً؟ فهل يُعقل أن تجيب الأكثرية الساحقة بأنها مع تخلّف الإنترنت ومع الاحتكار «المكروه».
لكن كيف أظهرت الحملة المدعومة من «سيدركوم» هذه النتائج؟ وكيف قررت استخدامها؟ فقد أعلنت الحملة أن النقاش حُسم، إذ إن الشعب اللبناني لا يريد «الدولة» بل يريد «الخصخصة». فهي حوّرت النتائج، ورأت أن المشاركين يريدون «المنافسة، خدمات أكثر، وأسعاراً أقل»، لكن الخيار المطروح أمامهم للإجابة لا يقول ذلك أبداً، ورأت أنهم لا يريدون احتكاراً تديره الحكومة، فيما الخيار المطروح للإجابة يتحدّث عن «الاحتكار» عموماً (من دون أي إشارة الى الحكومة أو الدولة). حتماً الأكثرية تريد الإنترنت السريع على كامل الأراضي اللبنانية، فمن هو راض عن الوضع القائم، لكن هل هذا ما تريده «الحملة» نفسها التي يديرها الطامحون الى نقل الاحتكار من الدولة الى شركاتهم الخاصة لينعموا بالأرباح على حساب حقوق المواطنين ومصالحهم؟
انطلاقاً من هذه الواقعة المثبتة على صفحة الحملة على «الفايسبوك»، التي يمكن التدقيق فيها من جانب أي شخص يرغب في ذلك، يمكن تناول الردّ الذي تلقته «الأخبار» من شركة «سيدركوم» (منشور حرفياً على موقع «الأخبار» على الإنترنت) تعليقاً على التقرير المنشور على الصفحة الخامسة من العدد الرقم 1377 الصادر يوم الجمعة في 1 نيسان 2011 تحت عنوان «شركات تنذر الاتصالات: سرعة الإنترنت تضرّ بنا».
هذا الرد كان واضحاً في ثلاث مسائل أساسية:
أولاً ـــــ أن شركة «سيدركوم» تقرّ بأنها أنذرت الدولة لوقف تنفيذ مشروعها الرامي الى تقديم خدمة الإنترنت ونقل المعلومات بواسطة تقنية (HSPA)، أي High speed packet access، المعتمدة على تقنية الجيل الثالث (3G/3.5G/3.75 technology)، وبالتالي تقرّ بما نشرته «الأخبار»، إلا أنها تأخذ عليها أن تقريرها ركّز على ما ورد في «الإنذار الخطّي» لجهة المقارنة بين السرعة والسعر، من دون الإشارة الى الأساس القانوني الذي بني عليه «الإنذار»، وهو مخالفة وزارة الاتصالات للقوانين والأنظمة بإطلاقها مشروع توفير الإنترنت السريع بطريقة لا تنسجم مع المبادئ التي أرساها قانون الاتصالات، والتي تتلخّص في كلمتين (بحسب ما ورد حرفياً في ردّ الشركة): تحرير القطاع والمنافسة العادلة... هل تذكّر هاتان الكلمتان بنتائج استطلاع الحملة المفنّدة أعلاه.
إن هذا الإقرار يدحض ما جرى الترويج له بأن المعلومات، التي نشرتها «الأخبار» سابقاً، عارية من الصحّة أو مغلوطة، (منعاً لأي التباس آخر في هذا الشأن قررت «الأخبار» أن تنشر نص الإنذار الذي وجّهته شركة «سيدركوم» الى وزارة الاتصالات حرفياً على موقع الصحيفة على الإنترنت أيضاً).
ما يهمّ في هذا السياق أن الشركة أغرقت ردّها بتبريرات عن أن الإنذار يرتكز على مخالفات لقانون الاتصالات، وبالتالي تحاشت الردّ على التقرير نفسه الذي لم يستند الى هذا الإنذار إلا بهدف طرح تساؤل مشروع عن الهدف الأصلي لحملة «Lebanese Want Fast Internet» التي تموّلها شركة صاحبة مصلحة تجارية سبق لها أن اعترضت على تلبية مطلب الحملة المحق، أي توفير الإنترنت السريع، لأن تلبيته لا تجري بما يحفظ أرباحها وحصّتها من السوق! فالنزاع بشأن قانونية إجراءات وزير الاتصالات شربل نحّاس لا يمتّ بصلة الى مطلب «الإنترنت السريع»، بل الى آلية تحقيقه، وهو ما أقرّت به الشركة في ردّها، كما سيتبيّن لاحقاً،
ثانياً ـــــ لا ينفي ردّ شركة «سيدركوم» علاقتها بالحملة المذكورة، بل إن الرد الذي تلقّته «الأخبار» يقول حرفياً «إنّ الصرخة التي تحاول الشركة إيصالها الى المواطنين هي باتجاه الوصول الى هذه الأهداف»... أيّ أهداف؟ يوضح الرد ذلك بطريقة صريحة وواضحة، فهو يتحدّث عن «المنافسة» كهدف بحد ذاته، فيما الحملة التي تموّلها الشركة تتحدث عن هدف آخر هو «توفير الإنترنت السريع بأقل كلفة»، وربما يجدر بالمنتسبين الى هذه الحملة أن يلاحظوا شعارها الرئيس وهو «mbp/s unlimited for 40$ 10»، ألا يشبه هذا الشعار إعلاناً تجارياً لبيع خدمة أو سلعة؟ هل يمكن أن يخبر مديرو الحملة المشاركين فيها كيف تكون المنافسة بأسعار محددة سلفاً؟ لا بد من التذكير بأن الهاتف الخلوي كان «مخصخصاً» وبيد شركتين خاصتين متنافستين، إلا أن الخدمة جاءت سيئة والأسعار مرتفعة وموحّدة بين الشركتين؟ نعم، ليس جميع اللبنانيين سذّجاً ليصدّقوا أن الشركات الخاصة تفضّل مصالحهم على مصالحها في جني الأرباح واحتكار الأسواق،
ثالثاً ـــــ تحاول شركة «سيدركوم» في ردّها على «الأخبار» التهرّب من المواجهة مع الذين اجتذبتهم في حملتها الخاصة عبر الحديث عن «عدم زجّها في النزاع السياسي الحاصل في البلاد، فقد وضع كاتب الرد نفسه مسبّقاً في صف واعتبر أن «الأخبار» في الصف المقابل، لكن أليس الموضوع برمّته «سياسياً؟ إن واجب اللبنانيين، لا حقهم فقط، أن يحدّدوا موقفهم من القضايا التي تمسّ حياتهم، فهل هم موافقون على البقاء رهائن في خدمة مصالح شركات تدّعي أنها تجسّد «القطاع الخاص»، فقد سبق لممثلي شركة «سيدركوم» أن شاركوا في اجتماع موسّع مع وزير الاتصالات، وهو أبلغهم أنه لن يتراجع عن تنفيذ المشاريع التي تصب في خدمة المصالح الوطنية والاجتماعية والاقتصادية العليا، أمّا مصالح الشركات، فيمكن تحقيقها من خلال زيادة مستوى الفعالية والأداء وقبول أرباح معقولة بعيداً عن استغلال ضعف البنى التحتية وغياب الدولة، وقال لهم حرفياً «إنّ من يريد أن يعمل ويربح فعليه أن ينافس بتقديم أفضل الخدمات وأوسعها بأقل الأسعار»، ماذا كان ردّ «سيدركوم»: توجيه إنذار لوقف مشروع الجيل الثالث، والتهديد بمقاضاة الدولة ودعم حملة تهدف الى الترويج للخصخصة! نعم، إن السجال في هذا الشأن هو سياسي بامتياز، ولا يمت بصلة الى الاصطفاف الغبي بين 8 و14 آذار، فالفساد والمصالح الشخصية والمحاصصة ليست حكراً على طرف دون الآخر، للأسف!
طبعاً، من حق «سيدركوم» أن تدافع عن مصالحها، فهذا يدخل في طبيعة عمل أي شركة خاصة تهدف الى جني الأرباح، ومن حقها أيضاً أن تلجأ الى القضاء إذا شعرت بأن هناك مخالفات للقوانين تسهم في تقويض مصالحها، لكن تقرير «الأخبار» لم يُساجل أبداً في ذلك، بل أراد أن يوضح علاقة أصحاب الشركة بحملة «Lebanese Want Fast Internet» وأهدافهم الصريحة من تمويلها وإدارتها، وهو ما لم يجب عنه رد الشركة الوارد إلينا، وبالتالي على الحملة أن تكون شفافة، وهو ما طالب به بعض المشاركين فيها، إذ إنّ من المهم أن يحظى اللبنانيون بخدمات متطورة وبأسعار متدنية، والأفضل أن تقوم الدولة بواجباتها في توفير ذلك، إلّا أنّه من حق شركة خاصة أن تدعو صراحةً الى «الخصخصة»، لكن ليس من حقها أبداً أن تتحايل على مطالب الناس من دون أن تصارحهم بالحقيقة، علماً بأن هناك موقفاً لدى كثيرين في لبنان يعدّ «الخصخصة» في الحالة اللبنانية عملاً مشبوهاً بسبب علاقته بالفساد السياسي، الذي ثارت عليه شعوب كثيرة في المنطقة وخارجها.
على أي حال، تقول شركة «سيدركوم» في ردّها على «الأخبار» إنها «دوماً مع تشجيع التطور وتقديم خدمات جديدة مثل Mobi، wise، WiMax، G3 و G4 والألياف البصرية VDSL، إلخ... كما أنها مع تطبيق قانون الاتصالات 431 على جميع المشغلين العاملين في لبنان سواء كانوا شركات خاصة أو شركات مملوكة من الدولة». وتضيف «حقيقة الأمر هي أن شركة سيدركوم، وعدداً آخر من الشركات العاملة في مجالي تقديم خدمات الإنترنت ونقل المعلومات، وجّهت إنذارات إلى الدولة اللبنانية ـــــ وزارة الاتصالات ـــــ حددت فيها عدداً كبيراً من المخالفات القانونية التي ارتكبتها وزارة الاتصالات في معرض إعداد وإطلاق خدمة الجيل الثالث... وبالتالي يقتضي التوضيح أنّ طلب وقف السير في تنفيذ هذه الخدمة بُني على المخالفات القانونية هذه لا على أي سبب آخر كما حاول المقال موضوع هذا الرد التلميح اليه».
حسناً، هل تستطيع الشركة أن تُثبت أن شركة أخرى غيرها وجّهت إنذاراً رسمياً لوقف المشروع تمهيداً لمقاضاة الدولة؟ طبعاً لا، لأن «سيدركوم» وحدها فعلت ذلك، فيما الشركات الاخرى وجّهت كتاباً تعرض فيه وجهة نظرها، فليس كل الشركات تقدّم خدمة «MOBI» التي سيطيحها الإنترنت السريع عبر تقنية الجيل الثالث.
أخيراً تقدّم «سيدركوم» في ردّها إجابة واضحة عمّا يُثار في شأن أهداف الحملة، «فالوزير (شربل نحاس) أصدر قراراً (توفير الجيل الثالث) في أثناء قيامه بمهمة تصريف الأعمال، الأمر الذي نعدّه من جهة أولى غير قانوني ويتعارض مع قانون الاتصالات تعارضاً صريحاً (...) ومن جهة ثانية، الترخيص بحسب القانون يجري بموجب أصول تقضي بأن تنظّم مزايدة عليه لاختيار الشركات الأفضل للقيام بهذه المهمة». الجملة الأخيرة هي المفتاح، لعلّ المشاركين في حملة «Lebanese Want Fast Internet» يقرأون معانيها جيداً ليدركوا الى أين تأخذهم شركة إنترنت خاصّة جداً.

الروابط:

ردّ شركة "سيدركوم" على "الاخبار"

نص انذار شركة سيدركوم الى وزارة الاتصالات




لماذا لا نفوز نحن بالمشروع؟

تقول شركة «سيدركوم» في ردّها على «الأخبار» «أن الوضع الذي أوصلنا اليه قرار الوزير (شربل نحاس) هو الخيار بين أمرين، أولهما تطوير قطاع الاتصالات لكن عبر مخالفات صارخة للقانون وللمبادئ العامة التي تقوم عليها سياسة القطاع، أما الخيار الثاني، فهو الإيهام بأن من يعارض هذا التوجه إنما يرمي الى إرجاع قطاع الاتصالات الى الوراء. هنا لا بد لنا (...) أن نتساءل، ألا يمكن الحصول على قطاع متطور في ظل القانون وفي ظل التنافس الشريف، الذي يخلق خدمة أفضل وسعراً أرخص ومنعاً للاحتكار؟».