صيدا | اعتصام سلمي مطالب بإطلاق سراح ثلاثة شبّان اعتقلتهم أجهزة أمنيّة لاعتراضهم سلميّاً على وجود وفد من السفارة الأميركيّة، يوم السبت الماضي. في المقابل، استنفار سياسي وعسكري واقتصادي، ومطالبة بإنهاء الاعتصام فوراً. أوحت صورة الاستنفار كأن الأمن القومي للبنان مهدّد.لكن لرئيس التنظيم الشعبي الناصري النائب السابق أسامة سعد كلام آخر. فقد شارك في الاعتصام رافعاً شعار: «لن نفكّ الاعتصام قبل أن يُطلق سراح معتقلي الرأي». ودفع تضخيم حادث بسيط الشارع الصيداوي إلى طرح هواجس بشأن محاولات لاستهداف الخط السياسي الذي يمثله سعد. وقد انتشرت أسئلة، وإن بصوت خافت، عن حلفاء سعد. مصادر سياسيّة جزمت لـ«الأخبار» بأن وراء الأكمة ما وراءها، والأمر تعدّى مجرد تضييق خناق على حريات عامة، مؤكدة أن «تلقف سعد كرة النار التي أراد بعضهم أن يقذفه بها، سترتد على مطلقيها».
أمس، عاشت صيدا يوماً طويلاً كسر روتينها. فقد نُقل إلى سعد، في وقت مبكر، رسالة مسؤول عسكري رفيع المستوى تقول له: «عليكم إزالة خيمة اعتصام ساحة النجمة قبل إطلاق الشبان الثلاثة، ومعها إزالة خيم إسقاط النظام الطائفي في ساحة الشهداء». ردّ سعد كان بسيطاً: «لا علاقة لنا بخيم ساحة الشهداء، وإن كنا نتضامن معهم. أما اعتصام ساحة النجمة، فسيبقى إلى أن يُطلق الشبان الثلاثة». بدورها، طرحت الدائرة المحيطة بسعد تساؤلات عن معنى تكبير حادث هو أقل من عادي، ومن يُقحم المؤسسة العسكرية في هذا الأمر؟ ولماذا هذا الانصياع للسفارة الأميركيّة التي تجاوز وفدها أعرافاً دوليّة تقضي بإبلاغ الجهات الرسميّة اللبنانيّة وجهة تنقّلات دبلوماسييها قبل التحرّك؟ ولماذا الإصرار على التعاطي أمنيّاً مع الحادثة؟
بداية تحرّك سعد كانت بالتوجّه إلى ضريح والده الشهيد معروف سعد. زيارة أوحت بأن «الرأس مطلوب، وقد تتكرّر تجربة اغتيال الأب». أمّا في خيمة ساحة النجمة، التي حضرت إليها وفود متضامنة ومؤيّدة، فشباب التنظيم كانوا يسألون عن موقف حزب الله، ولماذا لم تعطِ قناة المنار حيّزاً لتغطية حدث مرتبط «بالشيطان الأكبر»؟ تأتيهم الإجابة عبر مسؤول حزبي: «الحزب له ظروفه التي نحترمها. وفي مطلق الأحوال نعرف كيف نخوض معاركنا الوطنية والسياسية». موقف الموجودين في الساحة كان واضحاً: «صامدون ولن نغادر الميدان قبل إطلاق الإخوة، وما قاموا به ليس جرماً، وليمت الأميركان بغيظهم ومعهم المسترئسون. وخيمة اعتصام سلمي لن تهدد الأمن القومي لأميركا التي تهدد أمننا».
عند الواحدة بعد الظهر، طوّقت قوة مدرّعة كبيرة من الجيش الساحة والخيمة التي يعتصم فيها أسامة سعد ومناصروه. «مشهد ميدان اللؤلؤة في البحرين هل يتكرر؟». تعلو أصوات. الساحة تغصّ بأنصار التنظيم وشبابه. دقائق معدودة ويصل مدير فرع الاستخبارات في الجنوب العميد علي شحرور، موحياً أن القوة المدرعة تحرّكت من دون علم الاستخبارات. اتصالاته السريعة أفضت إلى سحب القوة العسكرية فوراً. كرّر سعد أمام شحرور أن خيم ساحة الشهداء ليست بإمرة التنظيم، وإن كان شباب الخيم راغبين أصلاً، بعد تظاهرة يوم الأحد الماضي، في إزالتها. أما خيمة اعتصام ساحة النجمة، فتزال متى تنتهي وظيفتها ويطلق سراح المعتقلين. حضور آليّات الجيش كان سببه معلومات عن نيّة المعتصمين إقفال الشارع وحرق الإطارات، وهو الأمر الذي يعدّه الجيش خطاً أحمر، لأن المدينة لا تحتمل أي توتير في رأيهم.
في موازاة ذلك، وفي ما يشبه توزيع الأدوار والمهمات، أطلق تيّار المستقبل العنان لهيئات وشخصيات تدور في فلكه لشنّ هجوم على تحرك ساحة النجمة. هجوم استخدم مطلقوه مفردات كـ«تعكير علاقة لبنان بأميركا»، «ضرب الاقتصاد الصيداوي» وتعابير أخرى، عدّها التنظيم الناصري مدعاة للسخرية، سائلاً في بيان له: أين كانت هذه الأصوات يوم الغضب المستقبلي؟
وليلاً، توقّع سعد إطلاق سراح الطلاب الثلاثة الذين تصدّوا لموكب السفارة الأميركيّة، اليوم الثلاثاء. وفي كلمة ألقاها مساء أمس أمام المعتصمين في ساحة النجمة في صيدا، قال سعد إن هؤلاء الشباب يستحقون التكريم لا التوقيف، مشيراً إلى أن الاعتصام حقق معظم أهدافه، ولم يعد هناك سبب لاستمرار توقيفهم، ونأمل أن نراهم بيننا أحراراً كما هي صيدا التي ستبقى تقول «أميركا اطلعي برا».
وعلمت «الأخبار» أن اتفاقاً مسائياً جرى التوصل إليه على أعلى المستويات، بعد يوم حافل. وقد حصل سعد على ضمانات بإطلاقهم اليوم، مقابل تنفيس الاعتصام الاحتجاجي عند ساحة النجمة، ابتداءً من فجر اليوم الثلاثاء، وإزالة خيمة الاعتصام، وإبقاء عدد محدود من المعتصمين إلى حين التأكد من إطلاق سراح المعتقلين.