محاولة لفرض رسوم زهيدة على اشغال الاملاك العامّة البحرية

مجمّع سياحي في منطقة «الصفرا» مثلاً، يستثمر املاكا عمومية على الشاطئ بناءً على ترخيص مؤقت، لا يسدد للخزينة العامّة منذ عام 1992 وحتى اليوم سوى 4125 ليرة سنويا على كل متر مربع من اليابسة، طبيعية كانت او مردومة! ما يطرحه وزير الاشغال العامّة والنقل غازي العريضي حاليا هو رفع قيمة الرسم الى 6750 ليرة فقط، اي بنسبة 63.6% فقط، فيما الاسعار العقارية في هذه الفترة ارتفعت بما لا يقل عن 700%
لا يزال ملف الاملاك العمومية البحرية خارج اي بحث جدّي، فلا نوايا لازالة الاحتلالات الحاصلة على الشاطئ والمسطح المائي، وهناك تغطية سياسية واضحة للتعدّيات المتواصلة على الاملاك العامّة والخاصة للدولة، وعدم رغبة في تطبيق القوانين التي تكرّس حقوق اللبنانيين الطبيعية في الوصول الى البحر من دون اي عوائق... كل ذلك يحصل بذريعة «التراخيص المؤقتة»، التي تبيحها مجموعة من المراسيم «المشبوهة». فقد تم من خلال هذه التراخيص تقاسم الشاطئ وتوزيعه حصصا على المحظيين من السياسيين واصحاب الثروات والمستثمرين المحليين والاجانب ممن يعرفون «من اين تؤكل الكتف». الخلاصة التي يعرفها الجميع ان شاطئ اللبنانيين المصون في القوانين تم التفريط به كلّيا، اذ تنتشر على طوله مئات المنشآت السياحية والتجارية والصناعية والعسكرية ومنازل لمجموعة من النافذين تم اقتطاع مساحات واسعة في محيطها لاغراض شخصية! وفوق كل ذلك، لا يسدد هؤلاء «المحتلون» للخزينة العامّة الا مبالغ زهيدة جدا لا تكاد تُذكر قياسا الى حجم المنافع والارباح التي يحققها المحتلون، وقياسا الى حجم الاضرار الفادحة والاكلاف الباهظة التي يتحملها اللبنانيون المتضررون. وتكفي الاشارة في هذا المجال إلى ان شركة «سوليدير» على سبيل المثال لا الحصر، تستثمر «مارينا السان جورج» المخصص لليخوت بكلفة 2500 ليرة فقط لا غير عن كل متر مربع في منطقة يكاد يصل فيها سعر المتر المربع الى اكثر من 25 الف دولار. وهذا المثال ينطبق على كل استثمار على الشاطئ الممتد على 225 كلم من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب.
لضمان اكبر افادة لمحتلي املاك الدولة العامة على البحر، لم يجر تعديل المرسوم 2522 منذ عام 1992، اذ بقيت الرسوم السنوية المترتبة على الترخيص بالإشغال المؤقت لهذه الاملاك (لا تطول هذه الرسوم التعديات والاحتلالات غير الحائزة على الترخيص) على حالها على الرغم من ارتفاع اسعار العقارات بوتيرة سريعة ومرتفعة وتسجيل مؤشّر الاسعار العام ارتفاعا بأكثر من 200% في تلك الفترة، ما ادّى الى تآكل قيمة هذه الرسوم، الزهيدة اصلا، على مدى 20 سنة راكم فيها المحتلون ارباحا خيالية ومنافع جمّة وامتيازات رهيبة... اليوم يطرح وزير الاشغال العامّة والنقل غازي العريضي على مجلس الوزراء مشروع مرسوم لتعديل هذه الرسوم، وهو لا يختلف ابدا عن مرسوم عام 1992، اذ يكرّس مبدأ الاشغال شبه المجاني للاملاك العمومية البحرية، ويعتمد تخمينات منخفضة جدّا لاسعار العقارات بالمقارنة مع الاسعار الرائجة، كما يعتمد رسوما منخفضة على اشغالها واستثمارها لا تُقارن باي شكل من الاشكال مع مستوى الارباح المحققة!
يقترح العريضي في مشروعه فرض رسوم بنسبة مئوية على اساس تخمين محدد لسعر المتر المربع الواحد بحسب المنطقة العقارية وطبيعة المساحة ووجهة الاستعمال، وذلك بدلا من قيمة الرسم المقطوع المحدد في مرسوم 1992، والذي كانت تراوح قيمته الهزيلة بين 15 ألف ليرة حداً ادنى في العريضة في عكار ومليون و250 الف ليرة في ميناء الحصن في بيروت. وحدد اقتراح العريضي نسبة الرسم بـ0.1% من تخمين السعر للاستخدام الزراعي على اليابسة والردم المستحدث، و0.5% للاستخدامات الصناعية والتجارية والمسابح من دون انشاءات، لترتفع النسبة الى 2% للاستعمال الخاص (قصور وفلل وشاليهات خاصة) وتنخفض الى 0.75% للمنتجعات السياحية. وحدد نسبة الرسم على استثمار المسطح المائي غير المحصور بـ0.1% لكل الاستخدامات، اما نسبة الرسم على المسطح المائي المحصور فتراوح ما بين 0.2% للاستخدامات الصناعية والتجارية و0.5% للاستخدام الخاص و1% للمنتجعات والمسابح.
لا تقتصر «اللعبة» على خفض نسبة الرسم الى هذا المستوى الهزيل، بل تقوم اساسا على اعتماد تخمينات لا علاقة لها بالواقع لسعر المتر المربع الذي سيعتمد لاحتساب قيمة الرسم النسبي، وبهدف خفض قيمته الى ادنى حدّ ممكن. ففي جدول تخمينات الاسعار المقترح من العريضي، خمّن سعر المتر المربع الواحد في منطقة المرفأ في وسط بيروت الذي تسيطر عليه سوليدير بـ8 ملايين ليرة فقط لا غير لينخفض التخمين الى 40 الف ليرة فقط في منطقة العريضة (مثلا) في عكار و600 الف ليرة في منطقة الهري في البترون و900 الف ليرة في الصفرا في كسروان ومليون و200 الف ليرة في الدامور في الشوف و450 الف ليرة في الصرفند ومليون ليرة في صور في الجنوب! ومثلاً على كيفية تطبيق هذه الرسوم، فان مسبحاً يستثمر الف متر مربع من الملك العام على الشاطئ في الجيّة (مثلا) سيسدد سنويا رسما بنسبة 0.5% على كل متر مربع على الشاطئ مخمّن سعره بقيمة مليون و450 الف ليرة، اي انه سيسدد فقط 7 ملايين و250 الف ليرة!
لم يوافق مجلس الوزراء في جلسته الاخيرة على مشروع العريضي، لا لأن هناك قوى تريد أن تُعالج هذه الفضيحة من اساساتها، بل لأن وزارة المال ترغب بزيادة ايراداتها من الرسوم قليلا، ولأن بعض الوزراء اعترضوا على عدم وضوح آلية تخمين الاسعار.. فاحيل المشروع الى لجنة من وزارتي المال والاشغال العامّة والنقل للمزيد من الدرس وتوضيح آليات التخمين.
يشير رجا مكارم، مدير شركة رامكو العقارية التي تعد دراسات دورية عن اسعار الاراضي في لبنان، الى أن التخمينات المعتمدة في بعض المناطق لا توازي الاسعار الحقيقية الرائجة، اذ لا يوجد على شاطئ البترون متر بأقل من ألفي دولار، في حين أن المرسوم يخمّن المتر بـ500 دولار. كذلك تخمين سعر المتر على شاطئ شكا بـ300 دولار ليس منطقياً. وفي حين ان المتر المربع الواحد في مناطق المنصف والبربارة والريحانة لا يقل عما بين 1000 و1200 دولار، الا أن المرسوم يخمّنها بـ500 دولار فقط. ينسحب هذا الواقع على جبيل حيث خمّن المرسوم سعر المتر المربع بمليون و100 ألف ليرة، فيما لا يقل في الواقع عن ألفي دولار. وكذلك، يخمّن المرسوم سعر المتر المربع في منطقة وطى السلام في قضاء كسروان بمليون و450 ألف ليرة، فيما سعر المتر المربع حالياً في هذه المنطقة يراوح بين 2000 و2500 دولار.
أما من الناحية القانونية، فيشرح المحامي ايلي خطار، وهو صاحب كتاب «الاملاك العمومية البحرية في لبنان من حيث الواقع والاجتهاد والقانون»، أن الاملاك البحرية هي ملك الدولة، ولكي يستطيع أحد استثمارها يجب أن يدفع رسما في المقابل. ورأى أن مشروع المرسوم الجديد يتضمن آلية احتساب ظالمة، اذ يجب الا تقل نسبة الرسم عن 2% من سعر العقار في ما خص المنتجعات والمسابح والحمامات البحرية والمؤسسات الصناعية والتجارية، لكون المساحات مشغولة من مؤسسات تحقق ارباحاً كبيرة من خلال استثمارها للأملاك البحرية العمومية. اما نسبة الرسم الأكثر غرابة فهي المتعلقة بالأملاك العمومية المشغولة للاستعمال الخاص (بناء سكني، أو غيره) وهي لا تتعدى الـ2%، ولكون هذا الاشغال لا يوفر اي شرط من مقتضيات المصلحة العامة، كان لا بد من زيادة النسبة المئوية للرسم الى ما لا يقل عن 6%، وهذه النسبة متعارف عليها لايجار الاراضي الخاصة.
ويشير خطار الى أنه قبل الغوص في الرسوم وتحديدها، يجب الاتفاق على تكريس المبادئ القانونية الاساسية التي تنظم الاملاك العومية البحرية، لناحية مبدأ الاشغال المؤقت لمدة لا تتجاوز السنة الواحدة. كذلك، منع التراخيص التي تلحق ضرراً بالمواقع الطبيعية والاثرية والتاريخية. ووقف منح التراخيص لجميع النشاطات لحين وضع المخطط التوجيهي الشامل للشاطئ اللبناني. وتكريس مبدأ ان التعدي على الملك العام البحري لا يسقط بمرور الزمن، ليصار بعد ذلك الى تحديد الرسوم وتخمين اسعار الامتار المربعة المترتبة عن الاشغال بطريقة تراعي مبدأ المساواة بين المناطق أكثر، اقله عبر تبيان المعايير المعتمدة في تحديد سعر المتر المربع. ومراعاة مصلحة الخزينة بطريقة افضل تحقيقاً للمصلحة العامة. وبذلك تكون الدولة قد عملت على تحصيل الضرائب من ذوي الامكانات المالية الكبيرة، وأصحاب المشاريع السياحية والتجارية الضخمة. وتتمكن بالتالي من اراحة المواطن العادي ذي الدخل المحدود من بعض الضرائب او على الاقل خفضها او حتى عدم اقرار ضرائب جديدة من شأنها ان تثقل كاهله أكثر.
(الأخبار)



5000 دولار

هو سعر المتر المربع المخمّن في مشروع المرسوم في منطقتي ميناء الحصن وعين المريسة، في حين أنه لا يقل عن 15 ألف دولار. وكذلك، يحدد المرسوم سعر المتر المربع في المرفأ (وسط بيروت) بـ5 آلاف و334 دولاراً، فيما سعر المتر المربع في هذه المنطقة لا يقل عن 25 ألف دولار



الرسوم السنوية على ترخيص إشغال الأملاك العمومية البحرية