«هو للأسف لقاء حزين ومؤسف». هكذا استهل رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس خالد تدمري اللقاء الذي عقد عصر أول من أمس في بلدية طرابلس، لتناول ما تتعرّض له الأبنية الأثرية والتراثية من انتهاكات وتعديات، وبحث كيفية وقفها.
«الأخبار المتعلقة بآثار طرابلس للأسف غير سارة»، يعلن تدمري، شارحاً أن اللقاء «سيتناول ثلاثة محاور: أولاً الأبنية التراثية التي تتعرض للهدم، ثانياً عمليات النهب والسرقة المنظمة التي تتعرض لها يومياً معالم طرابلس الأثرية، وثالثاً كيفية الحفاظ على وسط طرابلس (ساحة التل) وحمايته من محاولات لتشييد بناء ضخم مكان مسرح الإنجا الذي هُدم، وزيادة عامل الاستثمار في المنطقة».
البداية كانت مع رئيسة «جمعية الحفاظ على تراث طرابلس في باريس»، جمانة شهال تدمري، التي عبّرت عن أسفها «للتعدّيات التي تتعرض لها الأبنية التراثية والأثرية في المدينة»، مبدية استياءها لأنه «بدلاً من أن نحرص على هذه الأبنية، تجد من يعمل على تشويهها وهدمها». وأشارت إلى أن طرابلس «تزخر بأماكن أثرية ضخمة، وهناك أصدقاء وسياح يأتون إلى المدينة لأنها تهمهم من هذه الناحية أكثر من مدن لبنانية أخرى»، وقدمت مثالاً «صديقة فرنسية زارت خان الخياطين مؤخراً لكنها أسفت لحاله، عدا أنه لم يعد فيه اليوم إلا خياط واحد بعد تحوّل المحال الأخرى إلى مهن غير الخياطة».
تدمري تساءلت باستنكار: «كيف نستبدل بناء تراثياً قديماً وجميلاً، مغطى بالقرميد، بآخر بلا طعمة»، في إشارة منها إلى مسرح الإنجا الذي هدم كي يشيّد مكانه مبنى تجاريّاً. كذلك أشارت إلى أنه «أثناء غيابي عن طرابلس لشهرين فقط، نزعت شبابيك أبنية تراثية في منطقة التل»، محذّرة من أن الأمور تتغير بسرعة نحو الأسوأ ولذا يجب الحفاظ على تراثنا». وأعلنت أن جمعيتها الباريسية، التي تأسست قبل 3 سنوات وأطلقت في آذار الفائت من العاصمة الفرنسية حملة لهذه الغاية، تضم عدة شخصيات «مستعدة لتقديم المساعدة لنا ولكن علينا نحن أولاً أن نبدأ بالعمل».
بعد ذلك شرع خالد تدمري بشرح حالات اعتداء تعرضت لها أبنية طرابلس التراثية، مرفقاً ذلك بعرض لصور ووثائق عبر شاشة خاصة أمام من حضروا اللقاء، ونصفهم كان من الشباب، بالإضافة إلى ممثلي هيئات المجتمع المدني، الذين أبدوا استنكارهم. تدمري تحدّث عن «متعهد بناء اشترى قصر العجم في محلة باب الرمل، وهو ليس مسجلاً على لائحة الآثار في المدينة، وراح يبيع كل عناصره تمهيداً لهدمه وتشييد بناء جديد مكانه. وهناك متعهد آخر طلب إضافة طبقتين جديدتين فوق بناية البابا التراثية في شارع عزمي، وأن طبقات جديدة تضاف فوق أبنية تراثية من دون مراعاة تصنيفها أو الأخذ في الاعتبار أنها متداعية، وان مدخل مبنى محكمة طرابلس الشرعية القديمة تحوّل الى محل تجاري، وان قصري آل المغربي وآل شاهين في محلة باب الحديد، اللذين يعدّان من اجمل قصور العهد العثماني، متداعيان ويتعرضان لسرقة حجارتهما ومحتوياتهما». يتابع تدمري السرد: «إن بعض الاشخاص سرقوا حجارة من مبنى تراثي في المدينة، وعندما جاء عمال البلدية لمنعهم تعرضوا لهم بالضرب. وهذا ما دفع عمال البلدية الذين كانوا ينقلون الحجارة الى مستودع البلدية، إلى إنزالها من الشاحنة ومغادرتهم المكان».
تدمري اتهم تجار بناء ومتعهدين لم يسمّهم بأنهم «يشترون حجارة الأبنية القديمة وعقودها في طرابلس لاستخدامها في تشييد قصور حديثة خارج المدينة، والأمور تجري على عينك يا تاجر بلا حسيب أو رقيب»، مشيراً إلى «تقصير البلدية وشرطتها ومصلحة الهندسة فيها، وتقاعس مديرية الآثار في وزارة الثقافة، عن القيام بدورها». ودعا إلى «وضع الابنية التراثية خارج المدينة القديمة على لائحة الجرد».
بدورها، دعت عضو البلدية فضيلة فتال إلى «إصدار قانون يمنع التعدي على الأبنية التراثية». واتهم زميلها ابراهيم حمزة جهات «بحملة منظمة لسرقة آثار المدينة، وأن مشروع الإرث الثقافي يقضي تدريجياً على تراث المدينة»، بينما نبّه الناشط نبيل زغلول إلى أن «من لا يحافظ على تاريخه لا تاريخ له». ودعا الناشط عامر كمالي إلى أن «نكون جميعنا عناصر شرطة للحفاظ على تراثنا». وبعد دعوة عضو البلدية السابق جلال عبس إلى «إحالة أي مشروع بناء إلى هيئة معمارية خاصة قبل بتّه»، واقتراح الناشط في نادي التراث بكر الصديق «خطوات عملية لإنقاذ تراث طرابلس من الاندثار»، ودعوة الناشط الياس خلاط إلى «تأسيس المجلس الأعلى لحماية الإرث الوطني»، تلا تدمري توصيات اللقاء التي شدّدت على «إدراج جميع الأبنية التراثية في طرابلس على لائحة الجرد، والطلب من البلدية عدم إعطاء رخص بهدمها».