تتجه الأنظار صوب حزب الله. الأمر لا يتعلق هذه المرة بمشكلة مع إسرائيل يمكنها أن تهدد الاستقرار في لبنان. الحديث هنا يدور عن انفجار سياسي داخل فريق الأكثرية الحاكمة، وخصوصاً بين حليفي الحزب الأبرز، أي التيار الوطني الحر وحركة أمل. المشكلة هنا ليست في كون حزب الله هو «الحزب القائد» كما يمكن وصف موقعه داخل هذا الفريق، بل في كون التيار الوطني الحر والعماد ميشال عون ينظران إلى موقع الحزب كضامن لمنطق العمل داخل هذا الفريق. بمعنى أوضح، إن التيار والعماد عون عندما يبنيان تفاهماً مع الرئيس نبيه بري أو حركة أمل، إنما يفعلان ذلك بضمانة الحزب. ولذلك فإن عون يطالب الحزب بعدم الوقوف متفرجاً إزاء أي إخلال بهذا التفاهم. وبالتالي، فإن جوهر الاحتجاج العوني على موقف حزب الله من المسائل الخلافية القائمة الآن هو: نرفض اتخاذه موقف المتفرج! في جانب الرئيس بري، لا يتصرف الأخير كأنه ملزم تماماً بحلفاء حزب الله. وهو لو ترك الأمر له، لكان بنى شبكة تحالفات مختلفة، يكون للعماد عون موقعه فيها. لكن بري يرى أن حزب الله يبالغ في حماية التيار ومصالحه. كذلك يتهم العماد عون بأنه يفرط في «التدلل» اتكالاً منه على ما يعرفه من موقف خاص يكنّه له حزب الله. ويذهب مساعدون تنفيذيون لرئيس المجلس إلى حدّ اتهام عون بأنه يريد مشاركته في إدارة السلطة التشريعية، أو أنه يريد من الجميع أن يعمل عنده.
وفي كلتا الحالين يخفي الطرفان حقيقة الأمر، وهي أن الودّ لم يخلق بينهما منذ البداية. والحديث هنا ليس عن علاقات شخصية يمكن العمل عليها، بل عن تعارض جوهري، خصوصاً أن ما ينظر إليه العماد عون كبرنامج إصلاحي، إنما يتطلب المواجهة مع السياسات التي قادت البلاد منذ توقف الحرب الأهلية. وهو لا يجد أن الرئيس بري بعيد عن الراحل رفيق الحريري أو عن وليد جنبلاط والآخرين في تحمّل مسؤولية التدهور الحاصل على صعيد بنية الدولة. وذلك في مقابل شعور قوي لدي بري بأن عون ليس من الصنف الأقرب إلى تركيبة البلاد مع بعد اتفاق الطائف. وهو في هذه النقطة يبدو أقرب إلى تقييم الحريري الأب والحريري الابن كما تقييم جنبلاط لموقع الجنرال.
فكيف يتصرّف حزب الله؟
يجب على أي من الفريقين أو الجمهور عدم رفع سقف التوقعات عالياً. هذا لا يعني أن حزب الله ليس قلقاً إزاء ما يحصل، أو أنه لا يجمع التقديرات والمعطيات لتشخيص الوضع بأكثر دقة ممكنة. كما لا يعني ذلك أن حزب الله ليس مشغولاً الآن بصياغة مقترحات أو ابتداع أفكار تعيد المتانة إلى شريطه اللاصق الذي يجمع غالبية قوى 8 آذار بعضها مع بعض. لكن المهم هنا هو أن البناء الاستراتيجي الذي تندرج تحته سياسات حزب الله المحلية ليس في وضع يتحمّل بناء أو استحداث طوابق جديدة. وهو مشغول فعلياً بكامل غرفه. وكل ما يقدر الحزب عليه الآن هو إدارة عملية ربط نزاع، تبدو ظاهرياً بين حليفين له، بينما هي في حقيقة الأمر بينه وبين الحليفين، لأن الأساس في تعامل الحزب مع الجانبين هو تمنّعه الدائم عن إبراز ملاحظاته النقدية، وامتناعه الدائم عن الحفر في العقل الذي يدير العلاقات بين الحلفاء. هذا إضافة الى مشكلة أخرى تخصّ الحزب داخلياً، وتتصل بآلية المتابعة وبأشخاص إدارة الأزمة، خصوصاً أن المستجد في الأزمة القائمة اليوم، ظهور النقد الشخصي إلى العلن. فسمع قادة الأطراف الثلاثة، من حزب الله إلى حركة أمل إلى التيار الوطني الحر، ملاحظات تتعلق بالمنتدبين من قيادة هذه القوى لإدارة العلاقات. بل إن توتراً يسود لغة بعض هؤلاء المعنيين وخطابهم.
لكن من المفيد الإشارة هنا، والقول بصراحة وراحة، إلى أن ممثلي حزب الله هم الأقل اجتهاداً في إدارة الجوانب المختلفة لهذا الملف، والأكثر التزاماً بصيغة التوصية أو القرار الصادر عن قيادة الحزب. ويتعلق ذلك بطبيعة الحزب وبطبيعة القرارات وآلية تنفيذها. لكن ذلك لا يلغي الحاجة إلى نقاش داخل الحزب في كيفية مقاربة الملفات الداخلية، استناداً إلى تجربة السنوات السبع الماضية، خصوصاً أن البلاد مقبلة على موجة جديدة من الأزمات التي سوف تدفع الحزب إلى أن يكون متورطاً أكثر في اللعبة الداخلية من جوانبها كافة.
وحتى لا يظل الكلام في العموم، فإن الهواجس العونية إزاء حزب الله يمكن تلخيصها بسؤال واحد: هل أنت مستعد لتحمّل شراكة داخلية في عملية إصلاحية شاملة ولو أدى ذلك إلى صدام بينك وبين حليفك الشيعي حركة أمل؟
أما من جانب الرئيس بري، فإن الهواجس تختصر في السؤال غير المباشر: إلى أي حدّ تريد يا حزب الله مني أن أتحمّل؟
كيف سيتصرف حزب الله؟ هل بمقدوره قلب الطاولة فوق الشريكين وإدارة الظهر لهذه المشكلة المستجدة؟ طبعاً لا. هل بمقدوره مناصرة أحد ضد الآخر؟ طبعاً لا. هل بيده ما يوفره لهذه الجهة وتلك بما يرضي الطرفين؟ طبعاً لا.
حسناً، ما الحل؟ ثمة أحداث تحصل يكون الجواب عليها بالاستفهام. وفي حالة حزب الله الحالية، ثمة حاجة إلى مدد إلهي، يساعده على تجاوز هذه الأزمة... أعانك الله يا سيّد!