«لا يرحم، ويمنعنا من المطالبة بالرحمة» عبارة صغيرة يقولها يوسف خليل من دائرة الكهرباء في عشقوت، تختصر مشهد مؤسسة الكهرباء اليوم. فمياومو مؤسسة الكهرباء وجباة الإكراء فيها ممنوعون من تقاضي رواتبهم منذ 5 أشهر إلا إذا وقّعوا عقوداً مع الشركات الخاصة. ممنوعون من ممارسة أعمالهم في التصليح والصيانة بقرار من مجلس إدارة المؤسسة ومبررها: «لسنا مسؤولين عنكم». يعيشون بفقر مضاعف، وببطالة مستجدة، «بقرار اتخذه وزير الطاقة جبران باسيل بصرفهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من العمل»، بحسب ما يقولون.
كل ذلك، «ويُمنع علينا الاعتصام والمطالبة بحقوقنا وإلا تحوّلنا الى «زعران» و«إرهابيين»، وفق ما قال باسيل في تصريحات سابقة». اليوم صباحاً، سيكون لمؤسسة الكهرباء وجهها الآخر. وزارة الطاقة ومجلس إدارة مؤسسة الكهرباء يريدان فض اعتصام المياومين بمؤازرة القوى الأمنية، وتحدي المياومين عبر إخراج السيارات التي كانوا يقودونها هم لإجراء التصليحات، عبر تسليمها لعمال آخرين. ما ستقوم به الوزارة والمؤسسة سيقابله بديهياً رد فعل من المياومين، الذين يقولون إنهم ملّوا «إذلال الرواتب المنقطعة» عنهم منذ 5 أشهر، و«ابتزازنا بلقمة عيشنا إلا إذا وقّعنا مع شركات تقديم الخدمات بالعقود المذلّة التي يريد باسيل فرضها علينا».
أثناء تصعيد المياومين، ستحضر نقابات واتحادات عمالية «نأت» بنفسها عن مطالبهم طوال الأيام الـ 93 الماضية. ستلتحق بهم، فيما سيبقى بعض النقابيين مختبئين خلف شعار: «لا نريد المشاركة في تحرك سياسي». هكذا، سيشارك عدد من ممثلي الجمعيات والمنظمات الحقوقية. وسيتابع مشهد اليوم 12 محامياً قدموا خدماتهم المجانية، «لمواجهة أي اعتداء على الحريات النقابية».
ووسط اتهام باسيل والتيار الوطني الحر للمياومين بأنهم مسيّسون وتابعون لحركة أمل، أكد مياومو جونية وعشقوت وأنطياس وبكفيا، إضافة الى مياومي طرابلس والبقاع والجنوب، أنهم سيحضرون الى المبنى المركزي للكهرباء. وشدد عدد منهم في أحاديث مع «الأخبار» على أن «تثبيتنا حق، ولا فرق بين مياوم مسلم ومسيحي في الوصول الى هذا الحق». أما الأحزاب اللبنانية، التي سبق أن أيدت اقتراح تثبيت المياومين، ثم تراجع بعضها عن دعم المشروع، فقد أكد ممثلو معظمها لـ« الأخبار» أن فض اعتصام المياومين بالقوة «خطأ كبير يرتكبه باسيل»، معتبرين أن قضية المياومين مطلبية ولا بد من إيجاد حل عقلاني لها خارج منطق العناد.

ما هو موقف الأحزاب؟

يقول أحد المتابعين لقضية المياومين إن «باسيل لا يريد المياومين، تارة بحجة حاجة المؤسسة، علماً بأن الشغور يساوي ضعف عدد المياومين. وتارة بحجة أن غالبيتهم «شيعة» ولا يوجد توازن طائفي في تثبيتهم، وطوراً باتهام المعتصمين منهم بأنهم زعران ومخربون... وحتى إرهابيون». ويضيف: «اليوم، سيقف باسيل والقوى الأمنية في مواجهة المياومين، بعدما حاول أن يضع الموظفين الثابتين في مواجهة المياومين، وسط إطلاقه شائعات عن أن «المياومين يحملون السكاكين والرشاشات في مواجهة الموظفين» (وهذا ما نفته نقابة الموظفين في المؤسسة). وأن «المياومين فتشوا سيارة المدير العام كمال حايك» (وهذا ما نفاه حايك). وكان قد حاول وضع القوى المسيحية في مواجهة المياومين، تحت حجة أن «المسلمين» يسيطرون على الكهرباء.
من جهته، يعتبر نائب رئيس «حزب الكتائب» اللبنانية سجعان قزي أن أساس موضوع المياومين قبل أن يكون مطلبياً أو مذهبيياً، هو موضوع اجتماعي، وهو جزء من أزمة البطالة التي تضرب لبنان منذ سنوات طويلة. وبعد التعمق في هذا الموضوع، أضيفت الأبعاد السياسية والطائفية الى البعد الاجتماعي. يشير قزي الى أن هؤلاء الموظفين غير المثبتين أياً تكن هويتهم المذهبية والطائفية هم مواطنون لبنانيون، يحق لهم بالعمل والتعويض والحياة الكريمة، ويجب التعاطي معهم برأفة وبنظرة اجتماعية. كذا، على القيمين في الحكومة ووزارة الطاقة ومؤسسة الكهرباء ايجاد الحل الملائم لقضيتهم. يقول «لا يسر حزب الكتائب أن يكون هناك مواطن خارج العمل ولا يستطيع شراء دواء لعائلته، إلا أن معالجة الحكومة لقضية المياومين تشبه معالجتها لكل القضايا. فهي تنقل المشكلة من طاولة الحكومة الى الأطراف السياسية لتزيد الأوضاع في البلد توتراً». يشرح قزي «إذا كان نواب الأمة قد صوّتوا على 4 مشاريع لإعطاء الحقوق للاجئين الفلسطينيين، فالأجدى بهم كذلك إعطاء المياومين حقهم». واعتبر قزي أن حقوق الإضراب والتظاهر والاعتصام هي ممارسات يكفلها الدستور والقانون في أي نظام ديموقراطي «ولكن نحن نعيش في لبنان على فوهة بركان، وأي قضية تتحول الى مصدر للفتنة». وحول فض الاعتصام بالقوة، قال قزي إنه قبل أن يفض اعتصام المياومين بالقوة، فليفضوا اعتصام أحمد الأسير. ولكن، «يبدو أن الدولة ما فيها الا على الضعيف».
بدوره، يؤكد وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، أن للمياومين مطلباً محقاً، إلا أنه يجب معالجة قضية تعطيل المرفق العام. ويشدد على أن الحزب هو من أكثر المتعاطفين مع قضية المياومين. واعتبر أنه يجب أن يستمروا بتحركهم من دون تعطيل المؤسسة. يشرح «هؤلاء ناس أصيبوا وماتوا. يوجد مياومين تشوهت أجسادهم من دون أن يعوضهم أحد، ومن دون أن تتكفل أي جهة بأكلاف الاستشفاء. هذه القضية يجب أن لا تتمذهب. كما أن دعم رئيس مجلس النواب نبيه بري لهذه القضية له وجه مطلبي فقط». ويؤكد أبو فاعور أنه «يجب أن لا يتم فض الاعتصام بالقوة ولا التعطيل بالقوة».
وفي السياق ذاته، سأل عضو كتلة التحرير والتنمية النائب غازي زعيتر: «لماذا نريد التحدث عن المساواة والعدالة، وحين يكون هناك قضية لا تعجبنا نخرج بتصاريح من نوع: أكثرية مسيحية وأكثرية إسلامية؟». يصف المياومين بأنهم عمال لبنانيون قدموا من حياتهم عشرات السنوات لخدمة المؤسسة ولا يجوز رميهم في الشارع. يلفت الى أن الشركات الخاصة ستعود للتعاقد مع المياومين أنفسهم، ولكن سيدفع اللبنانيون ثلاثة أضعاف الكلفة التي يدفعونها اليوم للقيام بالأعمال ذاتها. ويشدد زعيتر على أن وقوف نواب ووزراء حركة أمل مع قضية المياومين ليست مرتبطة بأبعاد مذهبية «حتى لو أن 99،99 في المئة من المياومين هم مسيحيون، فإن موقفنا سيكون ذاته».
من جهته، يقول النائب عن تيار المستقبل محمد قباني إنه لا يجب إقحام القضايا العمالية بالصراعات السياسية، كما يجب أن تعالج قضية المياومين بالحوار معهم، لا بالعناد. فالمسألة «ليست كسر رأس وفرض إرادة بالقوة». يلفت الى أن المياومين لم يقبضوا رواتبهم منذ عدة أشهر ولديهم عائلات يريدون إطعامها وهذا ليس بسيطاً، وهم يخشون على مستقبلهم ويجب أن تقوم الحكومة بحوار موضوعي وعاقل معهم لطمأنتهم لا لتهديدهم.
أما عضو كتلة القوات اللبنانية النائب فادي كرم، فيرى أن تحركات المياومين محقة، ولكن على الوزير أن يجد حلاً ويفرض هيبة الدولة ويعطي للدولة حقها وللمياومين حقهم، ويجب البحث عن حل علمي لهذه المسألة. ويلفت الى أن المياومين من مسؤولية الدولة، إذ لا يجب أن يترك هؤلاء في الطريق. يقول كرم إنه يجب إجراء حوار مع المياومين، لا اللجوء الى القوة في التعاطي معهم.

ماذا عن النقابات العمالية؟

رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي، يؤكد مشاركته وعدداً من أعضاء الاتحاد في الاعتصام الداعم للمياومين صباح اليوم. يلفت الى أن هناك تشويهاً لحركة المياومين «فهي حركة مطلبية ونقابية، الا أنه تارة يقال عنهم مخربون، وتارة إرهابيون، في حين أن جميع التحركات في جميع دول العالم تقام على منوال تحرك المياومين، وأحياناً تتخذ منحى عنفياً، بعكس مسار اعتصام المياومين». يشرح أن توجيه السياط الأمنية والقضائية على أجساد المياومين لا يجدي نفعاً، «هذه حركة عمالية خارجة عن النطاق الطائفي والسياسي، فالتحركات تجمع جميع المناطق اللبنانية، ونجاح تحرك المياومين ضرورة نقابية». يلفت الى أن «كل نقابي شريف معنيّ بالوقوف الى جانب هذه الحركة، إذ إن المياومين هم عبارة عن عمال عملوا لـ 20 سنة بلا ضمان ولا تعويضات، واليوم هم مهددون بالصرف بدلاً من مكافأتهم بالتثبيت، وهذا ليس بالأمر البسيط». يستغرب الخولي كيف تتجه الحكومة للاستقواء على المياومين، كونهم لا هوية طائفية لهم، في حين تتخوف من لوم الأسير كي لا تحدث مشكلة طائفية. ويقول «المياومون هم الحلقة الأضعف، لذا يحاولون الاستفراد بهم». ويشدد الخولي على أن الحكومة بكل أركانها مسؤولة عن أي كف أو قطرة دم تسقط اليوم، معتبراً أن التلطي خلف المذهب الذي ينتمي إليه عدد كبير من المياومين ليس مقبولاً، ولا يلغي حقهم بالتثبيت.
ويلفت رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبد الله، الى أن الاتحاد سيشارك في الاعتصام اليوم للدفاع عن حق المياومين بالتحرك. وكرر أنه في 30 أيار رفع الاتحاد الى وزير العمل سليم جريصاتي شكوى ضد وزارة الطاقة والمياه بفعل تعديها على الحق النقابي للمياومين بالتحرك، وعاد الاتحاد ورفع كتاباً لجريصاتي في 23 حزيران بالمضمون ذاته «لكنه لا يزال محبوساً في أحد جوارير الوزير». وأكد عبد الله أنه لا يجوز وقف الاعتصام بالعنف لأن ذلك هو تعدّ على الحريات النقابية «وإذا ارتكبوا هذه الحماقة فسيتم اعتبارها مخالفة لكل القوانين والأنظمة، وستواجه قضائياً وفي الشارع».
أما رئيس الاتحاد العمالي العام، غسان غصن، الذي اجتمع يوم أمس مع لجنة متابعة عمال المتعهد وجباة الإكراء، فقد أكد مشاركته وأعضاء من الاتحاد في تحرك المياومين اليوم. ولفت الى أحقية مطالب المياومين، وأنه سيرفع هذه المطالب وسيؤازر المياومين للوصول الى حقوقهم.



14 مليار ليرة

كررت لجنة متابعة عمال المتعهد وجباة الإكراء مطالبتها الأجهزة الرقابية كافة بالتحقيق في موضوع فقدان عدد من فواتير الكهرباء بقيمة 14 مليار ليرة في مؤسسة الكهرباء. وذلك وفق ما صدر في التقرير الأخير لديوان المحاسبة.




«زعرنة» على عبس؟


أعلنت لجنة متابعة عمال المتعهد وجباة الإكراء توافقها على اسم لبنان مخول ليتسلم منذ اليوم مسؤولية رئاسة اللجنة. وأكدت أن مخول أثبت خلال فترة الاعتصام الطويلة أنه قادر على تحمل هذه المسؤولية بجدارة. في المقابل، حاولت «الأخبار» الاتصال بالقيادي في التيار الوطني الحر زياد عبس (الصورة، خلال اعتداء مناصري التيار بقيادة عبس الذي يضع الخوذة، على المياومين منذ أسبوعين) لاستصراحه عن تحرك المياومين، فلم يجد شيئاً يقوله سوى التفوّه بعبارات نابية، بحجة أن انحياز «الأخبار» الى قضية تثبيت مياومي كهرباء لبنان هو «زعرنة» عليه