لا تزال مسألة استمرار التجارة مع إسرائيل من قِبَل عدد من الشركات التركية القريبة من «العدالة والتنمية»، تلاقي اعتراض مجموعات كثيرة من المجتمع المدني. وبرز، في هذا الإطار، اعتصام مجموعة «متطوعي خيمة المقاومة» أمام مقرّ الحزب الحاكم في أنقرة، أول من أمس، احتجاجاً على تصريحات غير مسبوقة لنائب رئيس «العدالة والتنمية»، نهاد زيبقتشي، حول تلك التجارة. وفي ظلّ إجراءات أمنية مشدّدة، رفع «متطوّعو خيمة المقاومة» لافتات كُتب عليها: «لقد تم تجاوز كل الخطوط. نريد خطوات جدّية»، و«تقليص الصادرات لا يقطع التجارة مع إسرائيل»، و«رادار كوريجيك درع لإسرائيل»، و«كونوا شركاء للمقاومة وليس للمجازر»، فيما ارتفعت هتافات من قبيل: «لا نريد سلطة عميلة». وتحدّث هارون أوز قره قاش من خيمة «المقاومة»، قائلاً إن نهاد زيبقتشي كان قد أشار إلى أن «المجازر شيء، والتجارة شيء»، معتبراً أن مثل هذا التصريح هو «تطبيع للتجارة مع إسرائيل وتبسيط للمجازر»، وداعياً إلى «اتخاذ خطوات عملية ضدّ إسرائيل وترْك الخطب الحماسية». أيضاً، تحدّث باسم «الخيمة»، علي ألتين طاش، قائلاً إن «الدموع لا تكفي. يجب اتخاذ إجراءات ضدّ إسرائيل وأميركا. مطلبنا واضح ومحدَّد: قطع كل العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك التجارة». ورأى ألتين طاش أن «تقليص المنتجات المصدَّرة إلى إسرائيل محدود وغير واضح وهو لا يكفي»، داعياً إلى «محاسبة أولئك المسؤولين الذي كانوا يصدّرون مياه الحياة إلى شرايين الاقتصاد الإسرائيلي من حديد وفولاذ وسيراميك، في وقت كانت فيه غزة تغرق في دمائها»، وإلى «اعتماد المقاطعة الشاملة»، و«إغلاق القواعد الأجنبية في تركيا التي تحمي إسرائيل، وعلى رأسها إينجيرلك وكوريجيك».من جهة أخرى، انعقد المؤتمر الخامس لـ«الحزب الجيد»، في الـ27 من الجاري، بهدف اختيار خلف لرئيسته، مرال آقشينير، التي كانت قد أعلنت استقالتها إثر تلقّي حزبها هزيمة كبيرة في الانتخابات البلدية، بتراجع أصواته من حوالى 10% في الانتخابات النيابية التي أجريت قبل أقل من عام، إلى 4%. وبحضور كثيف للمندوبين، تنافس أربعة مرشحين على زعامة «الجيد»، وفاز في الدورة الثالثة مساوات درويش أوغلو على منافسه قوراي آيدين بفارق بسيط (611 مقابل 548). وبذلك، أعاد الحزب ضخّ دماء جديدة في قيادته، فيما أعلنت آقشينير، في كلمتها، أنها لا تترك الزعامة لأنها كانت «على خطأ»، ولكن لأنها «تتحمّل مسؤولية الخسارة ولا تريد أن يدفع الثمن أحد آخر».
اختار «الحزب الجيّد» مساوات درويش أوغلو زعيماً جديداً له خلفاً لمرال آقشينير


ووفقاً للصحافي مراد يتكين، فإن المهمة الأولى الملحّة أمام درويش أوغلو، هي وقف موجة الاستقالات من الحزب، والتي طالت بعض نوّابه من الذين انضموا إلى أحزاب أخرى، علماً أن الحزب احتلّ المركز الخامس في البرلمان، وله 43 نائباً، ويتنافس أساساً على القاعدة القومية المتشدّدة في تركيا مع «حزب الحركة القومية» بزعامة دولت باهتشلي، الذي له 50 نائباً. غير أن الخلافات الداخلية عصفت بـ«الجيد»، بعدما حمّل البعض، آقشينير مسؤولية خسارة مرشّح المعارضة، كيليتشدار أوغلو، أمام الرئيس رجب طيب إردوغان، لتعقب ذلك موجة استقالات شملت خمسة نواب. ومع هذا، لا يزال «الجيّد» حزباً أساسياً في البرلمان، حيث سيكون مجموع نوابه مهمّاً في تحديد مسارات بعض القضايا، ومنها إعداد دستور جديد أو الحاجة إلى أصواته في البرلمان لإحالة أيّ مشاريع جديدة إلى الاستفتاء الشعبي، وهي أهمية تزايدت بعدما تفكّكت المعارضة وبات لكلّ حزب منها حرية التوجّه.
ودائماً ما كان إردوغان وباهتشلي يراهنان على تفكُّك «الحزب الجيّد»، والعودة إلى «الحزب الأم» (الحركة القومية) الذي انفكّ عنه عام 2017 ودخل الانتخابات عام 2018 بمساعدة أساسية من «حزب الشعب الجمهوري». لكن كون درويش أوغلو من النواب الذين انفصلوا في حينه عن «الحركة القومية» احتجاجاً على تحالفه مع «العدالة والتنمية»، فإن احتمال أن يسلك «الجيّد» في عهد رئيسه الجديد سياسة مرنة أو متصالحة أو متواطئة مع «تحالف الجمهور» تبدو غير واردة. إلا أن ما يمكن أن يسهل مهمّة تغيير البوصلات لدى مختلف الأحزاب، هو مناخ «التهادن» الذي بدأ يخيّم على الحياة السياسية، بعد اتفاق إردوغان وأوزغور أوزيل على اللقاء للمرّة الأولى وجهاً لوجه خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو ما بات موضع ترقُّب في الوسطَين السياسي كما الشعبي.
ويعدّ المؤتمر الأخير لـ«الجيد» جزءاً من تداعيات الاستحقاقات الانتخابية على المعارضة منذ حوالى السنة، والتي كان أولاها انعقاد المؤتمر الاستثنائي لـ«حزب الشعب الجمهوري» بهدف اختبار جدوى استمرار كمال كيليتشدار أوغلو في رئاسة الحزب، بعد خسارته الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي، رجب طيب إردوغان، بـ48% مقابل 52%، في 28 أيار 2023. وتمكّن مرشّح المعارضة داخل الحزب، أوزغور أوزيل، من إطاحة بكيليتشدار أوغلو في الخامس من تشرين الثاني الفائت، بغالبية 812 مقابل 536 صوتاً. ومع أن النتيجة عكست تباينات داخلية، غير أن الحزب ذهب بعد ذلك إلى الانتخابات البلدية، في الـ31 من آذار الماضي، ليحقّق نصراً تاريخيّاً ويلحق الهزيمة بـ«حزب العدالة والتنمية» للمرّة الأولى منذ عام 2002.