تدفع لندن، بالتنسيق مع الرياض وأبو ظبي، لتولّي البرلماني البريطاني أليستر بيرت منصب المبعوث الأممي
وليس تمسُّك بريطانيا بإدارة ملفّ المفاوضات في اليمن، عبر منصب المبعوث الأممي، جديداً، بل يُعدُّ مكمِّلاً لدورها المشبوه في هذا البلد. وخلال فترة وجوده في منصبه (منذ شباط/ فبراير 2018)، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أجرى غريفيث لقاءات مع كل الأطراف اليمنيين. وبصفته دبلوماسياً بريطانياً وخبيراً في العلاقات الدولية وفضّ النزاعات، تمكّن غريفيث، بعد سلسلة لقاءات قام بها، من تكوين قاعدة بيانات شاملة عن الوضع في اليمن، وعن جذور الأزمة وأسبابها، والتي أدّت إلى اندلاع صراع داخلي سبق بدء العدوان في آذار/ مارس عام 2015. ولكن تطبيق أجندتَي لندن والرياض طغى على تحرُّكاته المكوكية، فكرّس جهده، منذ أكثر من عام، لتبرئة دول العدوان من جرائمها في حقّ اليمنيين، وتصوير ما يحدث في اليمن على أنه صراع محلّي بين أطراف يتصارعون على السلطة والثروة.
وعلى رغم تعاون حكومة صنعاء مع غريفيث، وتسهيلها مهمّاته وتعاطيها معه بصورة إيجابية، ولقائه زعيم حركة «أنصار الله» عبد الملك الحوثي، وتلقّيه عروضاً متعدّدة تخصّ الجوانب الإنسانية والاقتصادية والسياسية، كانت ستمثّل دفعة قويّة لعمله كمبعوث أممي، فقط لو أنه تعامل معها بجدّية، إلّا أن المبعوث الأممي أضاع فرصاً كثيرة لإحلال السلام، وانساقَ وراء رغبات دول «التحالف»، فتعامل مع مقترحات صنعاء الاقتصادية بشكل غير مسؤول، وفوّض إدارة الملفّ الاقتصادي في اليمن إلى نائبه معين شريم، فيما سلّم مهام الملفّ الإنساني إلى مدير مكتبه في الأردن، وعيّن عدداً كبيراً من الموالين للعدوان مستشارين له. وحتّى على مستوى توظيف اليمنيين في مكتبه، لم يختر أشخاصاً محايدين، فكانت النتيجة مقترحات من قَبيل تلك التي قدّمها في السنوات الماضية، وآخرها وثيقة «الحلّ الشامل» التي كرّس فيها الوصاية الأجنبية على اليمن.
غريفيث الذي غضّ الطرف عن التدخّلات العسكرية الإماراتية والسعودية في المحافظات الجنوبية في أكثر من 20 إفادة قدَّمها إلى مجلس الأمن خلال فترة عملة، كلّل تلك الجهود بإسقاط دور دول العدوان بشكل كلّي في وثيقة «الحلّ الشامل»، محاولاً تأطير ذلك التوجُّة في إطار تفاوضي. يضاف إلى سبق، قيامه بشرعنة وجود الميليشيات التي أنشأتها الإمارات في المحافظات الجنوبية والساحل الغربي بقرابة 48 مليار ريال سعودي، كما أكد وزير خارجية حكومة هادي السابق، أحمد الميسري، وتعامله معها بوصفها أطراف صراع محلّية.
اللافت في الأمر أن كل تحرُّكات غريفيث لم تخرج عن نطاق السياسة البريطانية في اليمن؛ فالتنسيق بينه وبين سفير المملكة المتحدة، مايكل كروان، والمعروف بتشدُّده لصالح تحالف العدوان، كان واضحاً. وبمراوغة استثنائية، أدار غريفيث الأزمة اليمنية، في العامين الماضيين، فقطع وعوداً لمختلف الأطراف، بما ينطبق عليه المثل اليمني القائل: «معاهم معاهم عليهم عليهم». كذلك، ضلّل مجلس الأمن في الكثير من الإفادات التي قدّمها. وكنتيجة طبيعية لذلك، فَقَدَ الثقة به كوسيط سلام دولي لدى صنعاء، فجاء الردّ برفض استقباله أكثر من مرّة من قِبَل «المجلس السياسي» التابع لـ»أنصار الله»، الذي ربط الموافقة على استقباله بإثبات جدّيته في مسألة السلام، وتنفيذ ما سبق من اتفاقات وتفاهمات ووعود أممية قطعها غريفيث نفسه، وجميعها متعلّق بتخفيف الحصار ومعالجة الوضع الإنساني: فتح مطار صنعاء، وتدشين الجسر الجوي الإنساني لنقل الجرحى إلى الخارج، وإحداث اختراق في الملفَّين الإنساني والاقتصادي، وتحديداً رفع القيود على سفن المشتقات النفطية المحتجزة من قِبَل «التحالف»، وليس من قِبَل حكومة هادي، كما تزعم الرياض، وحلّ مشكلة توقّف صرف رواتب موظّفي الدولة الموجودين في نطاق سيطرة «أنصار الله»، والمتوقّفة منذ أواخر عام 2016. ولا تندرج مطالب صنعاء في إطار إعاقة مهام المبعوث الأممي، إذ إنها تدعو إلى تنفيذ اتفاقات سابقة جرى التفاهم عليها في كانون الأول/ ديسمبر 2018، برعاية الأمم المتحدة في استوكهولم.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا