وركّز سوناك نشاطه، في الفترة الماضية، على مخاطبة الكتلة المؤيدة تقليدياً لحزبه من البريطانيين الإنكليز ذوي البشرة البيضاء والطبقة الأفضل حظّاً اقتصادياً في المملكة، في مقابل إثارة قلق الناخب الذي لم يحسم صوته بعد للانتخابات العامة، بسياسات من مثل خطّة ترحيل اللاجئين غير الشرعيين إلى راوندا، وتقليص التقديمات الاجتماعية للطبقات الدنيا والمرضى والعاطلين من العمل، وتخفيض فترات الانتظار لتلقّي العلاج في المؤسسة الصحية العامة عبر مزيد من التخصيص، على رغم التزامات طويلة المدى حمّلها سوناك للميزانية العامّة، كرفع نسبة الإنفاق العسكري إلى مستوى 2.5% من الدخل العام - للتوافق مع خطط «حلف شمال الأطلسي» -، والتعهّد بدعم النظام الأوكراني عسكريّاً وماليّاً بما يعادل عدة مليارات من الجنيهات.
حقّق «الليبراليون الديموقراطيون» و»الخضر» نتائج ممتازة نسبياً في الانتخابات البلدية
وكان الحزب الحاكم قد تلقّى، نهاية الأسبوع الماضي، صفعة قاسية في صناديق الاقتراع في إقليمَي إنكلترا وويلز لانتخاب أعضاء المجالس البلدية، حيث فقد نصف مقاعده، فضلاً عن أنه مني بخسائر كارثية في مواقع مفصلية مثل دائرة بلاكبول ساوث، ومناطق الغرب الأوسط (ويست ميدلاندز) المؤيّدة تقليدياً لـ»المحافظين»، بالإضافة إلى عجزه عن إزاحة صادق خان من منصب عمدة العاصمة لندن، بعدما فاز الأخير به بفارق 275 ألف صوت عن سوزان هول، مرشحة «المحافظين»، على رغم انصراف ناخبين مسلمين كثر عنه بسبب موقف قيادة «حزب العمل» المؤيد لإسرائيل. ووفق محلّلين، فإن هذه النتائج بمجموعها تشير إلى حتمية خسارة «المحافظين» السلطة في السنوات الخمس المقبلة، مع أن بعض المتفائلين يرون أن الخبرة التاريخيّة تذهب إلى كون البريطانيين يصوّتون عادة بشكل مختلف تماماً في الانتخابات البلدية عنهم في الانتخابات البرلمانية، إذ يدعمون الأحزاب المعارضة والصغيرة في المحليات (مثل «الخضر» و»الليبراليون الديموقراطيون»)، لكنهم يختارون أحد الحزبَين الكبيرَين («المحافظون» أو «العمل») في الانتخابات على المستوى الوطني. وبحسب هؤلاء، فإن التصويت على المستوى الوطني ليس بذلك السوء، ويعكس فارقاً ضئيلاً لا يزيد على سبع نقاط مئوية (34% لـ»حزب العمل» مقابل 27% لـ»المحافظين»)، مقابل الفارق الهائل الذي ظهر فعلياً في نتائج البلديات (44% لـ»حزب العمل» مقابل 18% لـ»لمحافظين»).
أما المستفيد الموضوعي من أزمة «المحافظين»، فكان «حزب العمل» المعارض بقيادة كير ستارمر، والذي حصل على حوالي 200 مقعد إضافي ليصل مجموع مقاعده البلدية إلى 1017. وإذ احتفلت القيادة بعدة انتصارات بارزة، إلا أنّها مع ذلك ليست في وارد الاطمئنان إلى انتصار حاسم في الانتخابات العامة، بسبب مجموعة من التحديات التي قد تنتهي بالأمور إلى برلمان معلّق لا يمتلك أيّ حزب فيه أغلبيّة كافية للانفراد بالحكم. ولم تُجرَ انتخابات بلدية هذه المرّة في اسكتلندا - ولا إيرلندا الشمالية - حيث هناك فرصة نظرية لأن يستعيد «العمل» تأييداً فقده في ثاني أكبر أقاليم البلاد إثر برلمانيات 2019 لمصلحة «الحزب القومي الاسكتلندي»، ولا سيما بعد أزمات القيادة الحادة والمتتابعة عند دعاة استقلال الإقليم.
وفيما يُعتقد بأن «حزب الإصلاح» اليميني المتطرّف، على رغم نتائجه المحدودة في البلديات، سيكون له حضور بارز في الانتخابات العامة، وقد ينجح في استقطاب الجمهور اليميني كبديل من «المحافظين»، فإن أبرز التحديات يتمثل في استعادة بعض فئات الجمهور التقليدي لـ»العمل» ذاته، ولا سيما المسلمين الذين يشعرون بالغضب من موقف ستارمر من حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، إضافة إلى أنصار جيريمي كوربين، كما «حزب العمال» (ووركرز بارتي) الذي نجح أخيراً في إيصال مرشحه جورج غالاوي إلى البرلمان الحالي في انتخابات فرعية. واعترف رئيس حملة «العمل»، بات مكفادين، بأن موقف الحزب من الحرب على غزة كلّفه خسارة التأييد الذي لطالما حصل عليه في تجمّعات الأقلّيات المسلمة، وقال إن «جهوداً ستبذل لتدارك ذلك واستعادة دعم الناس». وخسر «العمل» سيطرته مثلاً على مجلس بلدية منطقة أولدهام التي استمرت لـ 13 عاماً، لمصلحة مرشّحين مستقلّين خاضوا الانتخابات على بطاقة تأييد للفلسطينيين، وخسر أيضاً لمصلحة «الخضر» والمستقلّين في نيوكاسل وبولتون، وواجه صعوبة كبيرة في ضمان الفوز في ويست ميدلاندز المهمّة، بعدما ذهب خمس الأصوات لمرشّحين مستقلّين مؤيدين للفلسطينيين.
وإلى «حزب العمل»، فإن الحزبَين الصغيرَين، «الليبراليون الديموقراطيون» و»الخضر»، حقّقا نتائج ممتازة نسبياً في الانتخابات البلدية؛ إذ فاز «الليبراليون» - الحزب الثالث في المملكة من حيث الحجم - بـ 522 مقعداً، ليكون في المركز الثاني، متقدّماً على «المحافظين» الذي حصل على 515 مقعداً فقط بخسارة صافية بلغت 341 مقعداً. وتمكّن «الخضر»، من جهتهم، من الحصول على 70 مقعداً، وكادوا يسيطرون على المجلس البلدي لمدينة بريستول، محقّقين مكاسب على حساب «العمل»، ولا سيما بين الأقلّيات المسلمة. في هذا الوقت، استبعد مقرّبون من سوناك أن تتم الدّعوة إلى الانتخابات البرلمانية العامة الصيف المقبل، مرجّحين الدعوة إليها في تشرين الثاني.