رام الله | تسابق حكومة اليمين في إسرائيل الزمن نحو حسم الصراع الفلسطيني، وتحديداً في الضفة الغربية، من خلال تقوية المشروع الاستيطاني وصولاً إلى ضمّ الضفة، ومحاولة القضاء على أيّ مقاومة مسلحة ضد الاحتلال هناك. وضمن هذا التوجّه، اتخذت حكومة بنيامين نتنياهو خطوة نوعية غير مسبوقة، بمصادقتها على مشروع قرار لتفويض رئيس حزب «الصهيونية الدينية» والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، إصدار المصادقة الأوّلية للتخطيط والبناء في المستوطنات، وتقصير الإجراءات القانونية لتوسيع هذه الأخيرة. ويقضي القرار بأن يتمّ دفع مخطّطات البناء من دون مصادقة المستوى السياسي، خلافاً للوضع القائم منذ 25 عاماً؛ وبالتالي لن تكون هناك حاجة إلى مصادقة رئيس حكومة الاحتلال أو وزير أمنه لطرح مشاريع بناء استيطاني في الضفة في «مجلس التخطيط الأعلى»، التابع لوحدة «الإدارة المدنية» في جيش الاحتلال، سواء خلال مرحلتَي إيداع المخطّط أو المصادقة عليه نهائياً، والتي كانت تمتدّ على أربع عمليات مختلفة أو أكثر، وتستمرّ لعدة سنوات، وفق ما كان متبعاً سابقاً. ويُعدّ هذا القرار بمثابة خطوة فعلية نحو بداية الضمّ للضفة الغربية، كونه مطبَّقاً في الداخل المحتل؛ وبالتالي، سيسري على مخطّطات البناء في المستوطنات ما يسري على مخطّطات البناء في إسرائيل، حيث لا تحتاج الأخيرة إلى مصادقة رئيس الحكومة ووزير الأمن على أيّ مرحلة من خطط البناء.
والواقع أن تداعيات هذه الخطوة لن تتأخّر، بل سرعان ما سيتبعها «تسونامي» من مشاريع الاستيطان في الضفة وتحديداً في القدس، كما ستُترجَم خلال أيام بالمصادقة على مخطّطات بناء تشمل آلاف الوحدات السكنية، فيما من المقرّر أن تُنشر اليوم عطاءات لبناء 4560 وحدة استيطانية في العديد من مستوطنات الضفة الغربية، من أصل 10 آلاف وحدة كان تمّ في اجتماع لوزارة الإسكان إقرار طرحها تمهيداً لبنائها. وسبق ذلك إيعاز سموتيريتش إلى موظفي الوزارات بالاستعداد لاستيعاب نصف مليون مستوطن آخر في الضفة، وتحسين البنية التحتية في المستوطنات. وقال سموتريتش، في عدة مداولات مغلقة، إنه يعتبر مضاعفة عدد المستوطنين في الضفة «مهامَّ أساسية» للحكومة، فيما نقلت صحيفة «هآرتس» في حينه، عن مصادر ضالعة في هذا المخطط قولها إن الوزير في وزارة الأمن تعهّد خلال مداولات بأن تمويل المخطط «لن يشكّل مشكلة».
وبدأ يتّضح انعكاس مشاركة سموتريتش في الائتلاف الحكومي على التوسع الاستيطاني في الضفة، كون ذلك كان جزءاً من التفاهمات بينه وبين نتنياهو قبل تشكيل الحكومة. ومنذ دخوله إلى وزارة الجيش، كوزير ثانٍ فيها، تمّت المصادقة على عدد من الوحدات السكنية، يفوق ما جرى إقراره في أي عام كامل. وتهدف حكومة اليمين، خلال الفترة المقبلة، إلى منح الحرية الكاملة للمشروع الاستيطاني في الضفة، وهو ما سيؤدي إلى تغيير الوضع الديموغرافي وتحديداً في القدس من خلال زيادة عدد المستوطنين إلى مليون، وتقطيع أوصال الضفة وعزل مناطقها بعضها عن بعض، واستكمال مخطّطات السيطرة على القدس من خلال الكتل الاستيطانية وبناء الجدار الفاصل لإقامة «القدس الكبرى»، خاصة مع ترويج حكومة اليمين لمخطط «E1» الاستيطاني الذي يخدم هذا التوجه، وقبله قرار فكّ الارتباط الصادر عام 2005، والذي يعني السماح للمستوطنين بالعودة إلى المستوطنات المخلاة في شمال الضفة. وحذّرت منظمة «ييش دين» الحقوقية (الإسرائيلية) من أن القرار الأخير «دراماتيكي ومدمر، ويهدف إلى السماح ببناء مستوطنات من دون اعتراف في الضفة، وجعل أي معارضة لهذا البناء غير ذات صلة. القرار في حال قبوله سيترك لأنصار سموتريتش القدرة على تعزيز التوسع وإقامة المستوطنات من دون أي رقابة، وندعو كل جهة تعارض ضمّ الضفة إلى التدخل الفوري لإحباط القرار الذي سيسمح بالضمّ الكامل في المستقبل القريب».
لا يزال الاهتمام الأكبر لجيش الاحتلال، مركّزاً على الجبهة الشمالية


وبالتزامن مع هذا القرار، لا تزال إسرائيل تدرس خياراتها العسكرية في الضفة، وإمكانية شنّ عملية واسعة في شمالها لاجتثاث المقاومة، في وقت لا تتوقف فيه عمليات الاقتحام للمدن والبلدات، والتي ترافقها اشتباكات مسلحة يومية مع المقاومين. وفي مقابل ذلك، تبدو السلطة التي ترى مكانتها تتقوّض شيئاً فشيئاً غير قادرة على التحرك ولو خطوة في أي اتجاه؛ إذ اكتفت بالإعلان، على لسان أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، عن مقاطعة اجتماع «اللجنة الاقتصادية العليا»، والذي كان مقرراً عقده يوم غد رداً على قرار حكومة نتنياهو، وأن القيادة ستدرس جملة إجراءات وقرارات أخرى تتّصل بالعلاقة مع إسرائيل، لا يبدو، كالعادة، أنها ستَخرج إلى حيّز التنفيذ.
والواضح أن الاستراتيجية الإسرائيلية بشقّيها: تصعيد الاستيطان والتصعيد العسكري، لا تكترث لانعكاس ذلك على مكانة السلطة، على رغم تحذير بعض المصادر العبرية، عبر وسائل الإعلام، من أن تؤدي العملية الواسعة في شمال الضفة إلى تقويض مكانة السلطة، فيما القلق الحقيقي لدى حكومة الاحتلال يكمن في احتمال تطور تلك العملية إلى حرب مع قطاع غزة أو مع جبهات أخرى.
وتُواصل وسائل الإعلام العبرية تضخيم حجم العمل العسكري في شمال الضفة، ما قد يمهّد لشنّ عملية عسكرية هناك؛ إذ زعم موقع «إنتل نيوز» العبري، الأحد، أن مجموعات مسلحة جديدة تشكّلت في الأيام الماضية في محافظة نابلس أطلقت على نفسها اسم «جماعة العهد - رفقاء الشهداء»، وتضمّ في صفوفها ما يقرب من 500 مقاتل، أعلنت مسؤوليتها عن عمليات إطلاق نار مختلفة (آخرها الليلة الماضية ضدّ البؤرة الاستيطانية في جبل جرزيم). وبالتوازي مع ذلك، وضمن سياسة عزل الساحات وتفكيك ارتباطها بعضها ببعض، ومحاولة احتواء قوة المقاومة في قطاع غزة، قرر نتنياهو تنفيذ مشروع تطوير حقل الغاز (Gaza Marine) قبالة القطاع، في إطار المفاوضات الجارية بين إسرائيل ومصر وبالتعاون مع السلطة الفلسطينية. وروّجت وسائل الإعلام العبرية ومكتب نتنياهو لكون القرار بمثابة «بادرة حسن نية تجاه الفلسطينيين» بهدف «تطوير الاقتصاد الفلسطيني، والحفاظ على الاستقرار الأمني في المنطقة»، وهو جاء على ضوء ما تمّ الاتفاق عليه في قمة العقبة وقمة شرم الشيخ، وبتوصية من كلّ الجهات الأمنية الإسرائيلية.
وبعيداً عن الضفة وغزة، لا يزال الاهتمام الأكبر لجيش الاحتلال، مركّزاً على الجبهة الشمالية، حيث يجري تدريب عناصر «دورية الجدار» على أحد السيناريوات الجديدة التي لم يواجهها الجيش الإسرائيلي من قبل، وهو القتال لعدة ساعات ضدّ قوة «حزب الله» التي ستدخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحاول بشكل مؤقت تحرير منطقة مفتوحة أو مأهولة بالقرب من الحدود. وبناءً عليه، طُلب من كل مقاتل في «دورية غولاني» اجتياز اختبارات المعرفة حول «العدو»، بما يشمل بنية الوحدات والكتائب ووسائل القتال وطريقة التقدم والإغارة لدى مقاتلي «قوة رضوان». وتترافق هذه الاستعدادات مع تقديرات وأبحاث كان أكثرها إثارة ما نشره مركز «علْما» للأبحاث، من أن «حزب الله» اللبناني، طوّر قدراته تحت الأرض في لبنان، والتي تشمل سلسلة من الأنفاق، بالقرب من الحدود مع فلسطين المحتلة.
وأضاف: «نظراً إلى قوتها الهائلة وبسبب موقعها تحت الأرض، فإن العبوات الناسفة في مثل هذه الأنفاق تخلق تأثيراً يشبه تأثير الزلزال، لذلك، يمكنها تدمير مستوطنة أو منشأة بأكملها»، متابعاً أن مثل هذه الأنفاق يمكن أن تساعد «قوة الرضوان» التابعة لـ«حزب الله» على السيطرة على مستوطنات في الجليل.