الخرطوم | كثّف رئيس «المجلس السيادي الانتقالي» في السودان، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، خلال الأيام الأخيرة، إطلالاته وتصريحاته السياسية، متناولاً الأوضاع في البلاد ومآلات الحرب القائمة فيها بين الجيش وقوات «الدعم السريع». وفي كلمة له أمس أمام ضبّاط وجنود الجيش في مدينة مروي شمال البلاد، نفى البرهان وجود «تنظيمات سياسية» داخل الجيش. وقال إن «بعض السياسيين يمارسون الكذب والتضليل دعماً لميليشيا الدعم السريع المتمرّدة»، مضيفاً أن «الجيش يقاتل باسم السودان بسند قوي من الشعب كلّه، ولا وجود لأي تنظيم سياسي داخله»، وفقاً لبيان صادر عن «مجلس السيادة». واتّهم البرهان بعض السياسيين (من دون أن يسميهم)، بأنهم «طلّاب سلطة»، حتى لو «كان ذلك على حساب الوطن وشعبه». وتابع أن الجيش أفشل خلال الحرب مع «الدعم» مخطّط قائد هذه الأخيرة، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وشقيقه عبد الرحيم دقلو، مدافعاً بأن «الجيش يخوض معركة الكرامة ويقاتل معه كل الشعب السوداني»، مشيراً إلى «التفاف مواطني المنطقة حول الفرقة التاسعة عشرة مشاة (من الجيش)». وفيما تعهّد بـ«النصر في الحرب»، لفت إلى أن «النهاية الفعلية لهذه المعركة تكون بإعادة إعمار ما تدمّر».وفي سياق متّصل، عادت قضية فضّ اعتصام القيادة العامة في الخرطوم، الشهيرة بـ«مجزرة القيادة العامة» التي وقعت في 3 حزيران 2019، إلى الواجهة، بعد مرور أكثر من 4 سنوات على وقوعها، وذلك بعدما تحدّث البرهان، لأول مرّة، خلال زيارته لمدينة عطبرة في ولاية نهر النيل، عن تورّط «الدعم السريع» في فضّ الاعتصام، والذي أدّى إلى مقتل أكثر من 100 من المعتصمين، وإصابة المئات وفقدان الكثيرين. وإذ تُعدّ هذه هي المرة الأولى التي يتّهم فيها البرهان قوة عسكرية بالمشاركة في فضّ الاعتصام، فقد وصف المسؤول الإعلامي في «الدعم»، نزار سيد أحمد، حديث قائد الجيش بـ«الكذب الصريح»، معتبراً، في حديث إلى «الأخبار»، أن البرهان «يريد من خلال ذلك أن يبعد عن نفسه تهمة فضّ الاعتصام (وكذلك) نفيَ حديث قائد الدعم، الأسبوع الماضي، في تسجيل صوتي، حول قيام البرهان بإطلاق سراح اللواء الصادق، المتّهم الرئيس بفضّ الاعتصام، والذي كان مُحتجزاً في حراسات قوات الدعم، قبل أن يطلق البرهان سراحه، وهو الآن يقاتل إلى جانب الجيش، فيما المتّهم الثاني، اللواء بحر، قائد المنطقة المركزية، هو الآخر أعاده البرهان إلى الخدمة مع الجيش».
انتقلت الحرب من محاولة السيطرة على الحكم بعمل عسكري خاطف، إلى حرب طويلة تشبه النموذج الليبي


على الصعيد الميداني، تستمرّ المعارك بين الجيش و«السريع»، في عدة جبهات في العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى. وبحسب مصادر ميدانية، فإن «قوات الدعم السريع تحرّكت في اليومين الماضيين بكثافة على الحدود بين ولايتي الخرطوم والجزيرة، وسط السودان، بينما عزّز الجيش انتشاره في محلة الكاملين». وكانت «الدعم» أعلنت، في بيان أول من أمس، أنها حقّقت «نصراً جديداً على الجيش بالسيطرة على حامية منطقة ود عشانا في ولاية شمال كردفان، وهي آخر حامية حدودية تقع مع ولاية النيل الأبيض»، مضيفةً أنها «استولت على 12 عربة قتالية بكامل عتادها العسكري». وأوضح البيان أن «سيطرة قوات الدعم السريع على حامية ود عشانا مهّدت الطريق أمامها للتقدم إلى مدينة كوستي في ولاية النيل الأبيض»، مؤكداً عزمها «التقدم في جميع المحاور».
وحول المواجهات العسكرية الأخيرة، يرى الخبير العسكري علي ميرغني، في حديث إلى «الأخبار»، أن «سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة أبو عشانا تمثّل تحولاً في تكتيك قوات الدعم في العمليات العسكرية، حيث يجري إشغال الجيش في عدة جبهات لتخفيف الضغط في الخرطوم». ويضيف ميرغني أن «الحرب انتقلت حرفياً من محاولة السيطرة على الحكم في الخرطوم بعمل عسكري خاطف أو عمليات قصيرة المدى، إلى حرب لها خطط طويلة تدفع بالسودان إلى النموذج الليبي، خاصة إذا نجحت قوات الدعم في السيطرة على مطار كبير في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، أو في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وتشغيل المطارين في الولايتين، من أجل تسهيل الحصول على دعم وإسناد خارجييْن مباشريْن من بعض الدول، أو عبر منظمات شبه عسكرية». ويكشف ميرغني عن «إحراز الجيش تقدّماً ملحوظاً في أم درمان غربي الخرطوم، وحالياً يتقدّم إلى مناطق شمال الخرطوم وبحري الخوجلاب، لكنّ الجيش إلى حدّ الآن لم ينجح في التمركز في نقاط ثابتة»، متحدّثاً عن «وجود مؤشّرات واضحة إلى انخفاض أعداد قوات الدعم وآلياتها العسكرية في المنطقة»، موضحاً أن «الطائرات المُسيّرة الانتحارية، الرخيصة التكلفة، أجبرت تلك القوات على تقييد حركتها بصورة كبيرة».