أنطوان سعد
تساءلت جهة أميركية أمام مسؤول أميركي بعد اجتماع دمشق الأخير المتعلق بأمن العراق عما إذا كانت سياسة الولايات المتحدة ستمضي حتى النهاية في عملية دعم فريق الأكثرية في بيروت دونما تسوية مع سوريا أو مع إيران، فأكد المسؤول أن لا مقايضة مطلقاً بين المسألتين وأن الدعم سيبقى كاملاً لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة.
وبعدما سألت هذه الجهة محاورها عن البديل عن المبادرات الفرنسية والسعودية التي تتهاوى الواحدة تلو الأخرى لأن واشنطن لم تكن متحمسة لأيّ منها، أتى الجواب بأن لا بديل جاهزاً «حتى الساعة». ولما أعربت عن قلقها من الوضع المقفل وخشيتها من أن يؤدي دفع الحكومة اللبنانية باتجاه التصلب إلى تدهور الوضع السياسي وربما الأمني على غرار ما جرى في الأراضي الفلسطينية من انقسام سياسي وجغرافي، متسائلةً عما إذا كان للبنانيين الطاقة الكافية للمضي في عملية عض الأصابع الجارية، أجاب المسؤول إنه لا يعلم وإن كل شيء معقول. ثم استطرد قائلاً: «لنا ملء الثقة برئيس الوزراء السنيورة وبقدرته على الاستمرار في المناورات بما يمكّنه من الاستمرار في الحكم». وفي استعراض للمواجهة المفتوحة بين طرفي النزاع في لبنان، من الإصرار على إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي، مروراً باستمرار الحكومة دون الوزراء الشيعة وإصدار المراسيم وإجراء الانتخاب دون توقيع رئيس الجمهورية والصمود في وجه الاعتصامات والإضرابات وقطع الطرقات في 23 و25 كانون الثاني الماضي، وصولاً إلى عدم التجاوب مع كل المبادرات العربية والدولية والتمسك برفض إعطاء المعارضة الثلث المعطل، كل شيء يدل على أن فريق الأكثرية ماض في أسلوب المواجهة حتى حصول الانتخابات الرئاسية.
ثمة من يعتقد أن الإصرار على التصلب في الاستحقاقات المتتالية يرمي في نهاية الأمر إلى تنفيذ ما بقي من القرار 1559 لجهة نزع سلاح التنظيمات الفلسطينية وحزب الله، وبالتالي إلى قيام دولة لبنانية قوية تحتكر السلاح وتبسط سيادتها كاملة على أراضيها. إذ إن محاولات الاستيعاب المتتالية للنشاط الفلسطيني المسلح منذ سنة 1969 وما تخلله وتلاه من أعمال فدائية ضد إسرائيل، أفرغت الدولة من مفهومها وأضعفتها ونالت من هيبتها. لذلك لا بد من اقتناص فرصة المناخ الدولي الملائم وبخاصة الاهتمام الأميركي البالغ بلبنان والمضي في محاولة إعادة بناء الدولة.
انطلاقاً مما سبق، يبدو أن الإدارة الأميركية ماضية في دعم خيارات الأكثرية في استحقاق الانتخابات الرئاسية حتى النهاية. وما أعلنته الأكثرية هو أنها تريد رئيساً من صفوفها وأنها تستبعد قبولها بمرشح تسوية. ما يعني حتى الآن عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها أو حصولها خارج المجلس النيابي دون نصاب الثلثين. ولا يبدو من مواقف الأكثرية أن ثمة تخوفاً من تداعيات هذه المسألة.
بيد أن معلومات وردت من واشنطن أمس تفيد أن الخوف الجدي الوحيد لدى الدوائر الأميركية هو من احتمال أن يقدم الرئيس إميل لحود على تكليف قيادة الجيش مهمات السلطة التنفيذية. وفي ضوء هذه المعلومات يمكن فهم تصريح السفير جيفري فيلتمان قبل نحو ثلاثة أسابيع الذي أشار فيه في شكل غير مباشر إلى أن خيار تعديل الدستور لوصول قائد الجيش ليس مستبعداً من التداول إذا رأى اللبنانيون ذلك. وقد فهم المراقبون في حينه أنه أشبه بإغراء أو دعوة له كي لا يحرق أوراقه. وثمة سابقة أميركية في هذا المجال سنة 1988، كشف عنها السفير عبد الله بو حبيب في كتابه «الضوء الأصفر» بنشره رسالة من السفير ريتشارد مورفي إلى العماد ميشال عون، ومما جاء فيها: «أريد أن يعلم أنه إذا لم ينتخب الآن رئيساً فإن حكومة الولايات المتحدة ستؤيد وتدعم إسناد دور آخر له في الحكومة اللبنانية الجديدة. وننتظر كذلك من الجنرال أن يلعب دوراً رئيسياً بلبنان خلال سنوات أخرى كثيرة».
أمّا تخوف الأميركيين فيمكن أن يكون مرده إلى التالي:
- استمرار الاتصالات بين قائد الجيش والرئيس السوري بشار الأسد التي لا ينكرها الأول ويضعها في خانة علاقة ود يصر على أن تربطه بكل الأطراف.
- تمسكه بالحياد المطلق بين الموالاة والمعارضة وعدم انحيازه إلى الحكومة.
- شعبيته المتنامية منذ 14 آذار 2005 نتيجة حياديته في أكثر من مناسبة دقيقة وبخاصة بعد نهر البارد التي تجعل من الصعب مواجهته.