أربعة أشهرٍ على خطّ النار، لم تُسأل فيها المستشفيات الحكومية عن حاجاتها في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها. فهي اليوم، كما الجبهة، في حالة حرب. لا «إنتاج» يسعف للقيام بالواجبات الطبية كما في السابق، مع انخفاض نسبة إشغال الأسرّة في معظمها إلى الحدود الدنيا بسبب قرب بعضها من أماكن الاشتباك، ومنها مثلاً مستشفى ميس الجبل الذي يقع على مسافة 500 مترٍ تقريباً من الحدود مع فلسطين المحتلة. وفي المقابل، الدفع لا يزال «شغّالاً»، يقول مدير المستشفى الدكتور حسين ياسين، إذ ثمة أكلاف تشغيلية لا مناص منها، منها تأمين رواتب الموظفين ومادة الوقود التي يتوقّف عليها مصير المستشفى اليوم، فإما الاستمرار أو التوقف عن الخدمة. علماً أنه «مستشفى مركزي، يخدم 23 قرية يسكنها نحو 150 ألف نسمة».وبالفعل، كاد المستشفى الحكومي أن يكون أول الخارجين عن الخدمة الطبية بعد نفاد المازوت من خزّاناته وانقطاع التيار الكهربائي، إما بسبب التقنين أو بسبب القصف الصهيوني الذي أدّى أول من أمس إلى انقطاع التيار عن المنطقة بشكلٍ كامل، لولا تأمين البلدية ثلاثة آلاف ليتر من المازوت لإبقائه «شغّالاً». لا يعرف ياسين كم ستخدم هذه الكمية، ولكنه يعرف أنّ الصرف سيكون «بالقطّارة، لأننا بحاجة إلى 1000 ليتر من المازوت كل 24 ساعة في الأيام العادية»، وهذا اليوم بات ترفاً. فيما ما تبقّى في احتياطي صندوق المستشفى يكفي لسدّ رواتب الموظفين والعاملين «هذا الشهر فقط. بعد ذلك، لا أدري ما العمل»، داعياً وزارة الصحة إلى تأمين مساعدة مادية للموظفين لضمان استمرار قيامهم بواجباتهم الطبية.
شحّ المازوت يهدّد بإقفال مستشفيات المناطق الأمامية


وإذا كان مستشفى ميس أول المعلنين عن وصوله إلى حافة الأزمة، فلا يعني ذلك أن بقية المستشفيات الحكومية على خطّ المواجهة أفضل حالاً، ومنها مستشفيا مرجعيون وبنت جبيل. صحيح أن هذين الأخيرين لم يصلا إلى ما وصل إليه الأول، إلّا «أننا على الطريق»، يقول توفيق فرج، مدير مستشفى بنت جبيل الحكومي الذي «يقف على إجر واحدة». وكما الحال في معظم المستشفيات، يعيق شحّ المازوت العمل، وقد يؤدي في حال استفحاله إلى الإقفال النهائي. لذلك، تأخذ هذه القضية أهمية قصوى تسعى المستشفيات إلى تداركها، ولو عن طريق التبرعات أو المساعدات، خصوصاً أن الشق المتعلّق بتأمين المستلزمات «محلول» بعدما عمدت وزارة الصحة بالتعاون مع المنظمات الدولية إلى مدّ معظم المستشفيات بما تحتاجه. أما في ما يتعلّق بالمازوت، فيشير فرج إلى أن «اتحاد البلديات في المنطقة يساعد بجزء بسيط عند الحاجة». أما بقية الأجزاء، فـ «ننتظر فرج الله، وإن كنا نستمر اليوم، فمن اللحم الحي».
مدير مستشفى مرجعيون الحكومي، الدكتور مؤنس كلاكش، يؤكد «أننا حتى اللحظة لا نزال «ماشين» ونستقبل مرضى، ولا تزال كل الأقسام تعمل من قسم غسيل الكلى إلى العناية الفائقة وغيرها، كما تلقينا مساعدات من الصليب الأحمر الدولي لتوفير مادة المازوت»، إلّا أن «ذلك كله قد ينتهي في وقتٍ ما، ولا سيما أن أكلافنا التشغيلية عالية ونسبة الإشغال في المستشفى انخفضت كثيراً بسبب النزوح».
أين وزارة الصحة العامة من ذلك كله؟
طوال المدة الماضية من عمر الحرب، تواصل عدد من مديري المستشفيات مع الوزارة للعمل على حل مؤقت من أجل تأمين مادة المازوت، وقد «وُعدنا خيراً»، يقول ياسين، مشيراً إلى أن وزير الصحة فراس أبيض «قال إنه سيسعى لدى القطريين إلى تجديد الهبة أو الحصول على هبة جديدة، كما وعدنا بأنه سيكون هناك دعم للمستشفيات في الموازنة الجديدة». لكن، حتى هذه اللحظة، وعود الوزير لم تثمر. وإذ يقدّر مديرو المستشفيات «الوضع الاقتصادي الضاغط وما تعانيه الوزارة»، إلا أن ذلك «لا يعفي أحداً من مسؤولياته، على الأقل عبر إجراء مؤقت يساند المستشفيات»، يقول أحدهم، مشيراً إلى أنه في حالة الحرب «يفترض أن يكون هناك تعديل في الأولويات». والسؤال هنا: لماذا لا تعمل وزارة الصحة على التخفيف من «النظري» والدخول في «العملي»؟ مثلاً بدلاً من الصرف المبالغ فيه على برامج تدريب المستشفيات والعاملين لمواجهة حالة الحرب «فلنقسم البيدر بالنص، جزء للتدريبات وجزء للمساعدة»، مشيراً إلى أنه «إذا كانت النية موجودة، فالوزارة يمكنها أن تساعد». ولكن، قبل أن تساعد الوزارة، هل تعلم مثلاً بأن هناك مستشفيات تحتاج إلى المساعدة؟ مناسبة السؤال ما أشار إليه مدير المستشفيات، بأنه عندما طلب من وزارة الصحة العمل على مساعدة المستشفى، كان الجواب «ليش انتو بعدكن فاتحين؟»، مستغرباً أن تكون الوزارة، وهي بمنزلة «ربّ عمل» هؤلاء، لا تعرف أيّاً من المستشفيات مقفل، ومن منها مستمر في العمل!