strong>بشير صفير
•«جَمعَة» زغيرة مع الشباب الليلة في القصر

يقف على حدة فوق خريطة الأغنية الجديدة: بصوته الخاص، وحضوره المميّز، بأدائه وألحانه، وكلماته التي تحكي هموم الحياة اليوميّة... اكتشفه الجمهور في أعمال زياد الرحباني، قبل أن يقدّم تجربته الخاصة القائمة على العفوية والسخرية والبساطة

سامي حوّاط وفرقته في قصر الأونيسكو هذا المساء. يمثّل هذا الحدث النشاط الموسيقي الأوّل في مستهلّ السنة الجديدة. اللقاء مع سامي هو بالدرجة الأولى لقاءٌ مع العفوية ـــــ المفرطة أحياناً ـــــ والبساطة، في جوّ موسيقي متخفّف من الجدّية. سامي لا يقيم وزناً للّحظات المفصلية: أجواء الفرقة لحظة استعدادها لاعتلاء خشبة المسرح، لن تكون أكثر رهبة من أجوائها خلال التمارين. حتى إطلاق عبارة «تمارين» على بروفات الحفلة، لا يستسيغها سامي: «هيدي هيك جَمعَة زغيرة مع الشباب...». هو يفضّل عبارة «جَمعَة» (جلسة) على «بروفا»، لأنّها أكثر حميمية وأقل انضباطاً.
ما زال سامي حوّاط كما هو وكما عرفناه. عوده وصوته الجميل، وشخصيّته المهزومة والمسحوقة المجبولة بهموم الناس. على أي حال، هذا الفنّان ملتزم قضايا ليس غريباً عنها أصلاً، فهو لم يستطع التغلّب على المعاناة، على المستوى الشخصي.
يتقن سامي حوّاط فنّ استخراج العبارات الخاصّة بالقاموس الشعبي البسيط. هذا القاموس الذي حُذفت منه مفردات التغيير، أو المبادرة على حساب أخرى تصوّر الانكسار الذي لن يصبح استسلاماً، ولن يولِّد ثورةً أيضاً، لأنّه يرفض الأول ويعي استحالة الثاني. ويلخّص سامي حوّاط كل هذه الأمور بعنوان حفلة اليوم: «ما أول عا آخر» التي تدلّ على حتمية النتيجة المعروفة سلفاً، وغير المرضية، رغم كل محاولات التأثير في مجريات الأمور.
قلّما نرى في نصوص أغنيات سامي حوّاط دعوةً «عقيمةً» الى التغيير، أو غوصاً في أعماق المشكلة ومحاولة طرح حلول لها. كلمته في معظم الأحيان صورة طبق الأصل عن آفات المجتمع، أو آلام الشارع، فيما أغنياته مرايا للحظات سريعة أو دائمة من صميم الحياة اليومية العادية: الطبقية، الطائفية، التعب، القوي والضعيف... ولهذا السبب، لم يستسلم سامي لليأس، فهو لم يؤمن (ويبشّر) منذ البداية بنضال يحوّل الأسود الى أبيض، ولم يتبنَّ مشروعاً فنياً تغييرياً، ليتخلّى عنه عند أوّل مفترق طرق فقط لأنّ المرحلة تقتضي ذلك!
أمّا موسيقياً، فلا يختلف الوضع عن شخصيّة سامي ونصّه الكلامي. بل إنّ جملته الموسيقية، القصيرة والجميلة والتصويرية في معظم الأحيان، تلتصق بالحالات المتناولة، فيما تغيب الجدّية عن مشروعه الموسيقي لمصلحة التهكّم والسخرية في ظلّ يأس «مزمن». وهنا يجب التمييز بين عدم جدية المشروع الموسيقي، وجدّية المشروع الفنّي الذي يمثّل محور حياة سامي. خصائص الأوّل علميّة، وخصائص الثاني مستمدّة من هموم الناس التي تسهّل النغمة مهمَّة التعبير عنها.
في مسرح زياد الرحباني، سامي حوّاط حاضر بقوّة، وبصمات زياد حاضرة في فنّه وأغنياته الخاصة وعالمه عموماً. إنّه «رضا» في «بالنسبة لبكرا شو»، يحلم فقط بأن يحصل على معاش أفضل. و«هاني» في «فيلم أميركي طويل» الذي اصابه الهلع من الحواجز على الهويّة، فراح يبرز بطاقته لكل من يصادفه (في «العصفورية») مردّداً: «بأمركم يا خيّي»!. أمّا «الشاويش» في «شي فاشل»، فلم يكن له أي مطلب أو اعتراض أو ملاحظة خلال التمارين، كل ما أراده هو أن يحقّق سلطته العسكرية، ويقيم الحاجز الذي كان عقدته في العمل السابق «فيلم أميركي طويل». ولم يتم أصلاً عرض لكن مسرحيّة «جبال المجد» التي كانت الفرقة تتمرّن عليها، لم تعرض في النهاية، ولم يحقق الشاويش أياً من طموحاته!... وحتى «عبد الكريم» بائع القطنيات في «نزل السرور»، يتعرّض لتوبيخ غاضب من المنظِّر الماركسي لعدم انتباهه الى أهميّة اللون الأحمر.
هكذا هو الفنان سامي حواط. وهكذا سيكون الليلة. آخر لقاء له مع الجمهور في «مسرح المدينة» يعود إلى الانتخابات النيابية عام 2005. وبين الموعدين، نشطَ سامي موسيقياً في المخيّمات الفلسطينية في لبنان، كما في القرى الجنوبية بُعيد العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، إضافة الى حفلة «دار الأوبرا» المصريّة التي دعي إلى إحيائها في القاهرة، خلال شهر آب (أغسطس) 2006.
أمّا البرنامج المقرر لهذا المساء، فيجمع بين قديم سامي حوّاط وجديده من أغنيات مسجّلة أو غير مسجّلة، إضافة الى المقطوعات الموسيقية. «أول عا آخر» مقطوعة موسيقية أعطت عنوانها للحفلة، وهي من جديده، إلى جانب «حتى ولو كان». أمّا الأغنيات الجديدة من جهة أو غير المتوافرة للمستمع في إصدارات خاصة من جهة أخرى، فتحتل حيزاً كبيراً في البرنامج كـ«ملّا مرا» و«شايفك ملبوك» و«طلع الضو» و«الفيل» و«نشيد التعب» و«الى فلسطين» إضافة الى «دخلك على شو» و«بيروت كبرى».
كما يحضر الفنان مخول قاصوف، صاحب الأسطوانة الوحيدة «مثقفون نون»، من خلال أغنيات الألبوم: «بدوية» التي يؤديها يحيى الدادا في «مثقفون نون»، إضافةً إلى «شباك الحلا» و«حطوا ع قلبك» اللتين يغنّيهما سامي في الألبوم المذكور، وقد كانت له مشاركة أساسية في أداء معظم أغانيه. وأخيراً، من نوادر زياد الرحباني، سيغنّي سامي «بفلّ اذا بدِّك» التي نعرفها في فيديو كليب لفيصل صعب كان يعرض أواسط التسعينيات على شاشة الـCVN، لمن يتذكّر هذه المحطة!
وترافق سامي (عود وغناء) في حفلة هذا المساء، مجموعةٌ من الموسيقيين هم وفاء البيطار (قانون)، ريان الهبر (بيانو كهربائي)، نضال أبو سمرا (ساكسوفون)، رائد أبو كامل (كلارنيت وناي)، فؤاد ابو كامل (باص)، طوني جدعون (كمان)، جهاد سعيد (درامز)، أحمد الخطيب وسلمان بعلبكي (إيقاعات شرقية)، إضافة الى هلا غريب (غناء منفرد) وجوليا ساموتي (كورس).
سامي حوّاط في قصر الأونيسكو الليلة! سيحمل معه الأحمر إلى القصر، هو الذي فهم معنى هذا اللون منذ «نزل السرور»... لكن هل من يشرح له كلمة «قصر»؟

الليلة 7 مساءً ــ قصر الأونيسكو ــ 01،793180
مراكز البيع: «صوت الشعب» ــ 01،311809
La CD Thèque ــ 01،320642