مهى زراقط
اختتم أمس مؤتمر “الصحافة تحت الحصار”
الذي نظمته صحيفة “النهار”، بالتعاون مع “الاتحاد العالمي للصحف” في الذكرى الأولى لاغتيال جبران تويني. تناول المشاركون مشاكل حرية التعبير، كل في بلده، وأجمعوا على أننا “كلنا في الهمّ... عرب”


فندق “لو رويال” في الضبيّة. المكان جديد نسبياً على الصحافيين الذين اعتادوا تغطية المؤتمرات في العاصمة.
المكان جديد أيضاً على عدد كبير من المشاركين في مؤتمر “الصحافة تحت الحصار”، ممن اعتادوا حضور المؤتمرات في فنادق الحمراء أو الأشرفيّة. لكن الوضع السياسي في لبنان، على ما يبدو، هو الذي اقتضى ذلك. لا بدّ من أن يبقى المشاركون الآتون من مختلف أنحاء العالم بـ“منأى عن الخطر”. فهل يكون الخطر هو المعارضة؟ هل تبدو لبعض المنظّمين “مفترسة” إلى هذا الحدّ، أو خطراً مسلطاً على حريّة التعبير؟ يبدو المشهد غريباً بعض الشيءفي قلب بيروت اعتصام شعبي كبير يهزّ البلد، فيما المدافعون عن الديموقراطيّة في الضبيّة لا ينتابهم مجرّد فضول للاطّلاع على ما يجري على الأرض في العاصمة اللبنانيّة. صحافي أجنبي كان يسأل أمس عن إمكان بقائه في لبنان يومين إضافيين بعد اختتام المؤتمر، فنصحه بعض المنظّمين بعدم المخاطرة.
ما الخطر في لبنان بالنسبة إلى عشرات الصحافيين، المناضلين في بلادهم من أجل حرية التعبير، وقد جاؤوا إلى لبنان ليرووا تجاربهم مع أنظمة بلادهم القمعية؟ أي خطر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح حيث الاعتصام المفتوح من أجل حكومة وحدة وطنية! أليست التظاهرات السلمية، المطالبة بحق المشاركة السياسية، إحدى وسائل النضال الديموقراطي التي أجمع المؤتمرون على ضرورة الدفاع عنها؟
سؤال لا يمكن إلا أن يخطر على البال، وأنت تستمع إلى تجارب صحافيين من المغرب وتونس والعراق واليمن والبحرين ومصر والأردن وفلسطين... كان كل مشارك يسرد تجربته، بعد أن يقدّم لها بتعقيب على مداخلة زميل سبقه: “كل هذا يحصل عندكم؟ يبدو أن الوضع عندنا لا يزال أفضل”. ابراهيم عيسى، رئيس تحرير “الدستور” المصرية (الذي يصدر حكم بحقه اليوم في مصر)، لاحظ أنه يكفي تغيير اسم الدولة واسم الملك (أو الرئيس)، لتصبح المداخلات واحدة، طالما أن الممنوعات واحدة، والقوانين الجائرة واحدة، وأساليب “العقاب” واحدة. وبالأسلوب المصري المحب للنكتة، أعلن عيسى الدول العربية دولاً منكوبة تحتاج إلى إعانات: “أرسلوا لنا “بطاطين” ديموقراطية”.
لكن زميله رئيس تحرير “الدستور” العراقية باسل الشيخ بدا متحفظاً: “يفترض أننا في العراق أكثر الدول ديموقراطية حيث لا قوانين تحدّ حريتنا... نحن مستعدون إذاً لإرسال ما شئتم من “بطاطين”... فهل هذا يعني أن المحظورات اختفت؟”. هنا أوضح عيسى أنه لم يكن يقصد الديموقراطية العراقية التي تصدّرها أميركا إلى العالم. وسأله أحد الصحافيين اللبنانيين: “ألا ترى أن القمع الذي تتعرضون له من النظام المصري يبقى أفضل من القمع الذي ينتظركم عندما يتسلّم “الاخوان المسلمون” الحكم؟”، فأجاب عيسى بأنه لا يخاف “الاخوان”، لأنهم ببساطة لا يمثلون نسبة كبيرة في المجتمع المصري على عكس ما تروّج له السلطة، لكي تخيف بهم الناس. والغرابة هنا أن يفاضل المرء بين قمع وآخر طبعاً، أما الأغرب فهو ألا يلاحظ أحد أن “الخطر الأصولي” في مصر، ليس إلا إحدى الكوارث الناتجة عن أداء النظام الحالي، أي أنهما وجهان لعملة واحدة.
السؤال نفسه كان قد طرحه دافيد أغناسيوس من “واشنطن بوست” على الصحافية التونسية نزيهة رجيبة. أجابت الأخيرة أنه “من غير المنطقي أن نغضّ الطرف عن الاستبداد الواقع، ونركّز هجومنا على الاستبداد المتوقع”، موضحة بدورها أنه لا حظوظ لأي إسلامي في تونس أن يصل يوماً إلى السلطة. كما وجهت نقدها الى كل الأطراف: “هناك معارضون في تونس حوّلوا أنفسهم إلى بقرة مقدّسة، لا يجوز أن ننتقدهم لأنهم يقفون في وجه الدكتاتورية. وهناك شركاؤنا في الغرب الذين يغضبون عندما لا تتطابق نظراتنا إلى موضوع حسّاس”. الفكرة نفسها عبّر عنها الأمين العام لاتحاد الصحافيين العرب صلاح الدين حافظ حين أشار إلى “رقابة القوى الديموقراطية في العالم، هذا هو الضغط الحقيقي الذي نعانيه”.