بموازاة حرب الإبادة التي تشنّها على غزة، وعمليات التدمير الممنهج والاعتداءات التي يقوم بها جنودها ومستوطنوها ضد القرى والمدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي خضمّ حالة الطوارئ والترهيب التي فرضتها على فلسطينيّي الـ48 والقدس، أقدمت سلطات الاحتلال، أمس، على هدم 47 منزلاً لعائلة أبو عصا الفلسطينية، في وادي الخليل في النقب. وأتت جريمة الهدم هذه، والتي تركت أكثر من 500 من أفراد العائلات الفلسطينية البدوية من دون مأوى تحت ذريعة «توسعة الطريق رقم 6»، بعد يوم واحدٍ من رفض «المحكمة العليا» الإسرائيلية الاستئنافات التي تقدّمت بها عائلة أبو عصا ضد أوامر هدم بيوتها، ليسارع وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، إلى إرسال المئات من عناصر شرطته، وحرس الحدود، إلى جانب جرافات وآليات الهدم إلى القرية التي وقعت فيها مواجهات بين الأهالي وقوات الاحتلال، قبل أن يقْدم عدد من أصحاب المنازل على حرقها احتجاجاً على عمليات الهدم.وقبيل إقدام الشرطة على فعلتها، خاطب النائب يوسف العطاونة عناصرها قائلاً: «سعيدون بوزيركم (بن غفير) المجرم المتهم بالإرهاب، والذي يحوّلكم إلى إرهابيين». وطالبهم بأن «يخجلوا من أنفسهم حينما يتحدّثون عن الأمن في الوقت الذي يأتون فيه لهدم البيوت، بدلاً من أن يوفّروا الأمن الحقيقي للمواطنين من خلال القيام بدورهم في مكافحة الجريمة والعنف المتفشّيين في المجتمع الفلسطيني». أمّا عضو «لجنة التوجيه العليا لعرب النقب»، جمعة الزبارقة، فوصف ما حدث بأنه «عملية إجرام منظّم»، معتبراً هدم 47 مسكناً تؤوي مئات الفلسطينيين، «مؤشراً خطيراً إلى ممارسات عدائية تجاه المواطنين العرب عموماً والعرب في النقب على وجه الخصوص»، تفاقمت «منذ تولي بن غفير منصبه كوزير للأمن القومي».
في المقابل، تفاخر بن غفير بما حدث، معتبراً أن «هدم عشرات المنازل في النقب خطوة مهمة نحو استعادة السيادة والحكم»، في اعتراف ضمني بأن الهدف من ذلك، ولو أنه يأتي بحجج التخطيط وتوسيع الطرق، هو إرساء السيادة الإسرائيلية على النقب، من خلال توسيع المشاريع الاستيطانية، وتهويد المنطقة، على حساب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948، والذين ثبت أن الاحتلال لا يرى فيهم إلا تهديداً لوجوده واستمراره أسوة ببقية أبناء شعبهم في الضفة وغزة. وجاء في بيان صدر عن مكتب بن غفير: «كما وعد الوزير منذ تسلّمه منصب وزير الأمن، هناك تصاعد في عمليات الهدم ضد البيوت غير القانونية. الوزير فخور بقيادة سياسة كهذه والدفع بذلك (قرارات وأوامر الهدم) أسبوعياً في الدوائر والنقاشات وداخل سلطة تنظيم الأراضي البدوية في النقب، مع الوزير عميحاي شكيلي». وهدّد البيان فلسطينيي النقب والذين يقطنون هناك منذ ما قبل قيام دولة الاحتلال، بالقول: «ليعلم كل منتهك للقانون في النقب أن أراضي النقب ليست مقفرة، وأن دولة إسرائيل ستخوض حرباً لا هوادة فيها ضد أولئك الذين يستولون على الأرض ويحاولون فرض واقع مغاير على الأرض».
أمّا جمعية «ريغفيم» الاستيطانية، والتي نشأ فيها وزير المالية، والوزير في وزارة الأمن، بتسلئيل سموتريتش، ويسكن معظم أعضائها في بيوت غير قانونية حتى وفق القانون الإسرائيلي، بعدما أقيمت على أراض سُرقت من الفلسطينيين في الضفة، فقد ادّعت أن «التجمع السكني (لعائلات أبو عصا) غير قانوني ويقع في المسار المخطّط لطريق رقم 6»، مشيرة إلى أن «السكان سينتقلون إلى قرية أم بطين المجاورة حيث سيتلقّون قسائم أرض بالمجان إلى جانب تعويض مالي مقابل منازلهم غير القانونية». والجدير ذكره، هنا، أن العائلات التي هُدمت بيوتها سبق أن رفضت ذلك، تمسّكاً بأرضها التي تسكنها منذ عقود طويلة، وتمارس فيها نمط حياة البداوة والزراعة ورعي المواشي، وهو ما ستُحرم منه عملياً.
وتعليقاً على جريمة الأمس، استنكرت «لجنة التوجيه العليا لعرب النقب» «الهجمة الشرسة على أهلنا من عائلة أبو عصا»، معتبرةً العملية «إجرامية ولم يسبق لها مثيل منذ النكبة». ووصفت الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو، ووزراؤه المتطرفون من الصهيونية الدينية بـ«العنصرية والفاشية»، مشيرةً إلى أن «من يقود عملية الهدم هو الوزير الفاشي إيتمار بن غفير الذي تهدم حكومته وتُرحل في النقب من دون رادع». واعتبرت أن «ما حدث لعائلة أبو عصا هو نكبة حقيقية، وإرهاب دولة وجريمة تطهير عرقي»، مؤكّدة، في بيانها، أن «قرية وادي الخليل كانت قبل بن غفير وستبقى بعده، ومصير الفاشيين إلى مزبلة التاريخ».