عرفت عماد العبدالله مُذْ عرفتُ بيروت، عملنا معاً في جريدة «الحقيقة» وصوت المقاومة الوطنية قبل أن يلمع اسمه في مجلة «الناقد» إلى جانب رياض الريّس وبقية الرفاق. ومنذ اللحظة الأولى والضحكة الأولى، وَسَّعَ له مطرحاً في القلب والذاكرة. حتى عندما هاجر أو هجر بيروت إلى الدوحة، ظلّ أميناً لدى زيارته بيروت على ارتياد المقهى الذي كان شقيقه الصديق المؤنس والشاعر الراحل عصام العبدالله يحوّله إلى ديوانية للشعر والنقد والضحك. المفارقة أن عماد كان يبزّ عصام في المقدرة على الكلام وحياكة سجادة الحديث المزركشة بألف لون ولون، وكأنّي به حكواتي عتيق يريد تعويض سنوات الغياب عن المدينة التي سكنها وسكنته، وحملها معه في حلّه وترحاله، ونافست بلدته الخيام حباً ومكانة، وإن كانت لم تفلح في اقتلاع الريفيّ المسكون بالحنين الكامن في أعماقه.
نصوصه اختلط فيها النفَس الحكواتي بالموقف النقدي
كان عماد متكلماً لا كلمنجياً، والفارق كبير بين الصفتين. ينضح كلامه، مثل حبره، بالمعرفة والثقافة وثراء المعلومات. يحكي (أو يكتب) في الأدب، في السينما، في الغناء، وفي كل ما يمتّ للثقافة بصلة. يحكي كلام العارف العاشق الشغوف بما يحكي عنه بحيث يجعلك تعشق هذه الممثلة أو ذاك الفيلم، تلك الأغنية أو هاتيك الرواية. متكلم مثقف ينتمي إلى جيل المثقفين القادر على النقاش في الماركسية والوجودية مثلما هو قادر على المجادلة في مسرح الأخوين الرحباني وشوشو (حسن علاء الدين) وعادل إمام أو أغنيات فيروز وصباح وعبدالوهاب وفريد الأطرش وعبدالحليم وسواهم. يحكي كلَّ ذلك بتلك السهولة الممتنعة والممتعة.
يرحل عماد العبدالله،
يرحل صديق آخر من ذاك الجيل الذي التهمت الحروب نصف عمره وتكفّلت الغربة بالنصف الثاني. يرحل على عجل كمن سئم من الغربة أو أضناه الشوق إلى شقيقه عصام الذي بغيابه هو الآخر صارت الضحكة (كما القصيدة)، مشوبة بالدمع والحسرات.
يرحل الصديق ورفيق البدايات الملأى أحلاماً وشغفاً وحماسةً، في أكثر لحظات وطنه حراجة حتى نكاد نتساءل مَن منا الآن يعزّي الآخر؟ أنحن الأكثر حزناً عليه أم هو الحزين حقاً علينا ونحن نرثيه في جحيم البلاد؟ أخاله يودّعنا كعادته ضاحكاً حتى أقصى الدمع والبكاء.
* شاعر وإعلامي لبناني