بين ذاك التاريخ واليوم، لم تتوقف شكران عن نشاطها، ولو اقتصر على الحالة الافتراضية بسبب وجودها في تركيا لتصوير مسلسل معرّب. تقول لنا: «نصوّر كل يوم قرابة 12ساعة متواصلة، عدا عن شعور العجز الذي يصلنا كلّما ازدادت المجازر، كأننا بتنا مشلولين تماماً». وتضيف: «لا يوجد أمامي منافذ كافية للتعبير. في سوريا، يمكن أن تجد سبلاً للمساندة والوقوف مع أهلك. أقلّها يمكنك أن تنزل للتبرع بالدم، أو تواكب أي حملة إنسانية. لن تعدم الطرق لتشعر أنك تفعل شيئاً مهما بدا صغيراً أمام الكارثة». تكشف مرتجى لنا أنّ لديها «أقارب وأهلاً في غزة. أتواصل معهم بشكل دائم. فكرة الموت والحياة بالنسبة إليهم عبثية جداً، إذ لا يختلف كثيراً من بقي حيّاً عمن استشهد لأنهم مشاريع شهداء في أي لحظة. مع ذلك، فالإرادة لا تلين والعالم كلّه بات يعرف حجم الدماء التي سالت على أرض غزّة، وبأن من بقي حياً فيها محاصر كلياً وحياته على وشك الانهيار، وصار أقرب إلى الموت فعلياً». على الرغم من كلّ التضييق الذي يُفرض في السوشال ميديا في ما يخصّ المحتوى المناصر لفلسطين، لم تستسلم شكران مرتجى. أطلّت بداية في شريط يُعيد تصحيح أسماء المدن الفلسطينية. طلبت من الجميع أن يحفظ جيداً ويردّد وراءها، فـ «اسمها ليس تل أبيب بل قرية الشيخ مؤنس، وليس إيلات بل أم الرشراس، وليس أورشليم بل القدس، ليس عكو بل عكا.. أخيراً ليس اسمها إسرائيل بل فلسطين من البحر إلى النهر». بعدها، قررت توثيق «حكايات الطوفان» عساها تكون فسحة للأرشفة وتسجيل قوائم الألم. فتحت ركام كلّ بيت ظلّت الأشلاء والدماء شاهدة على المجازر التي وقعت في أركانه. لذا قررت الاتكاء على أدواتها التمثيلية، ومفردات مهنتها الإبداعية، لتُعيد صوغ تلك الحكايات بطريقة مؤثرة. وعبر حسابها على إنستغرام، نشرت حكايات مطوّعةً صوتها ولكنتها الفلسطينية لمصلحة إعادة تدوير القصة الموغلة في الواقعية، لكنها باتت تصلح لأن تكون نموذجاً مرجعياً للمأساة. حكاية تقى الفرّا التي كانت تستعد ليوم زفافها في 25 تشرين الأول (أكتوبر). ومع بداية الحرب، تأجّل العرس ليحكم الجلاد قبضته منتقماً من المدنيين ويقصف منزل الفتاة في خان يونس في التاريخ نفسه لموعد الزفاف. والنتيجة كانت استشهادها مع شقيقتيها ووالديها.. ثم تروي شكران في فيديو آخر قصة تداولتها السوشال ميديا لرمزيتها عن أرملة شهيد فلسطينية كانت تعيش في المخيّم، صرخت مرة على جميع أطفالها، ثم أخذت قلم الحبر الأسود الذي تحبه وراحت تكتب أسماءهم الثلاثية وزمر دمهم على أجسامهم، من عمر تسع سنوات إلى خمس سنوات إلى ثلاث سنوات... وعند الطفل الأخير، لم تتمكن الأم من استكمال جميع المعلومات بسبب صغر جسده الطف. نظرت إلى ولديها وقالت لهما: «راشد مش رح يضيع عنّا لأنو بيضلّ بحضني. ما تخافوش يمّا كتبت على جسمي بكل مكان إني أم راشد وهبة وأحمد وكتبت إني زوجة الشهيد راشد صالح رح يجمعونا ولو كنّا أشلاء... تصبحوا على خير يمّا».
عن «حكايات الطوفان»، تخبرنا شكران مرتجى أنّها حاولت منذ البداية أن تكون حاضرة «لأنّه لا يمكن لي الوقوف على الحياد. هذه معركتي والصهيوني عدوّي الأزلي». وتضيف أنّ البداية مشوشة وضبابية في ما يخص إمكانية أن تفعل شيئاً: «وفي ليلة انقطاع الاتصالات في غزّة، ظهرت منفعلةً ومن ثم لاحظت أنّ هذه الفيديوات تعرّضني لاتهامات على شاكلة الاهتمام تحقيق ترند! علماً أنّ كلّ من يعرفني يدرك أنّني ابنة فلسطين ولي فيها أهل وأقارب...». وتتابع شكران أنّه «جلت على مواقع التواصل الاجتماعي ووجدت تفاصيل تتقاطع مع ما أفكّر فيه. كان الجوهر هو التأكيد أنّ الضحايا ليسوا مجرّد أرقام، فقرّرت توثيق حكاياتهم بهذه الطريقة. هكذا، عدت لفكرة مشروعي القديم «شكرانيات» الذي استمرّ في مسلسل «مسافة أمان» (إيمان السعيد والليث حجو)، حيث حضرت كمعلّقة صوتية. أردت تحويل أي قصة لفيديو ينتشر أكثر، مستثمرةً أدواتي وصوتي بالتعاون مع مجموعة أصدقاء، أمثال موفق عماد الدين وعبد الرزاق البني من سوريا، والمخرج محمد خميس من فلسطين، بهدف الوصول إلى صيغة نوثّق فيها الحكايات الحقيقة وما نسمعه ونقرأه... جمعنا أرشيفاً كبيراً مثقلاً بالوجع عن شهداء كان لهم عائلات وأمنيات وأحلام وفجأة صاروا ضحايا».
وعن تطورّ هذه السلسلة، تقول: «تطوّرت الفكرة مع الوقت ليكون آخر فيديو مترجماً إلى الإنكليزية بغية تحقيق انتشار أوسع... هذه مهمّتي وموقفي... هي محاولة لمقارعة العجز وفعل ما يمليه ضمير عليّ كفنانة ومواطنة عربية وابنة فلسطين... والأمل دائماً في أكون على الأرض ولو كان الثمن حياتي».