بغداد | تستعد القوى السياسية العراقية لخوض انتخابات مجالس المحافظات التي تجرى الاثنين المقبل، لأول مرة منذ عشر سنوات، في ظلّ مقاطعة «التيار الصدري» وبعض القوى والحركات، ولا سيما الناشئة، التي تسعى إلى حشد الشارع العراقي لمقاطعة الاستحقاق، بهدف تأجيله أو دمجه مع انتخابات برلمانية مبكرة. ويبلغ عدد القوى المشاركة في الانتخابات أكثر من 70 كياناً وحزباً، تضم أكثر من 6 الآف مرشح، بينما تشمل هذه الجولة 15 محافظة من أصل 18، إذ إن المحافظات الثلاث في إقليم كردستان الذي يتمتع بالحكم الذاتي، غير مشمولة بها. وتمتلك مجالس المحافظات، وفق الدستور، صلاحيات إدارية ومالية واسعة، ولا تخضع لسيطرة أو رقابة أيّ وزارة في الحكومة الاتحادية، فضلاً عن أنها بمثابة سلطة تشريعية ورقابية في كل محافظة، وتتولّى رصد موازنات لقطاعات الصحة والتعليم والنقل وغيرها.وفي الوقت الذي تستعد فيه السلطات الأمنية لتطبيق خطّتها لحماية الانتخابات، تستعر المنافسة بين القوى السياسية المتخاصمة، فيما يُسجل تمزيق «البوسترات» الانتخابية من قبل عناصر بعضهم مجهولون، وآخرين ألقت وزارة الداخلية القبض عليهم واعترفوا بأنهم ينتمون إلى جهات سياسية معينة. ويتخوّف مراقبون من تأجيج الشارع أثناء الاقتراع من قبل جماهير تطالب بمقاطعة الانتخابات، ولا سيما أن متظاهرين يزعمون أنهم من «التيار الصدري» تحرّكوا، الأسبوع الماضي، في بعض محافظات الوسط والجنوب لحرق مقارّ ومكاتب تابعة لأحزاب سياسية.
ويشتد التنافس بين الأطراف المشاركة في الانتخابات عبر ماكيناتها الإعلامية، قبل الصمت الانتخابي الذي حدّدت مفوضية الانتخابات بدء سريانه عند الساعة السادسة من صباح يوم الجمعة. وفي ما يتعلق باستعداد المفوضية، يؤكد عضو الفريق الإعلامي التابع لها، حسن زاير، أن «جميع المستلزمات الخاصة بالانتخابات جاهزة. والحكومة بذلت جهوداً كبيرة بالتنسيق مع المفوضية والجهات التنفيذية والأمنية الأخرى لإكمال كل ما تحتاج إليه الانتخابات المحلية». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «القوات الأمنية تسلّمت مراكز الاقتراع بشكل كامل، ومن ثم قمنا بتجهيزها بكلّ المستلزمات التي ستتيح لها تسهيل إجراء الانتخابات، فضلاً عن نصب كاميرات بتقنيات حديثة تتابع سير العمل داخل المراكز الانتخابية إلى حين ظهور النتائج وإعلانها رسمياً».
من جهته، يؤكد رئيس خليّة الإعلام الأمني، تحسين الخفاجي، أن «آلية تنفيذ الخطة الأمنية تستند إلى المعلومات الاستخبارية والأمنية، وإلى الخطط التي أعدّت سابقاً من قبل قيادات كبيرة، والتي على إثرها تم تشخيص كل الفراغات الأمنية، وكذلك مراجعة قواتنا الأمنية لتكون مستعدة لهذه المناسبة المهمة». ويقول، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «الخطة التي كانت بإشراف القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أصبحت جاهزة للعمل منذ أكثر من 15 يوماً». ويبيّن أنه «تم تعزيز القطاعات المشاركة في تأمين المراكز الانتخابية بواقع 3 أطواق لكل مركز، وكذلك تعزيز القطاعات على سبيل الاحتياط في كل محافظة».
ثمّة مؤشرات إلى إمكان تدنّي نسبة المشاركة إلى أدنى معدّلاتها منذ بداية العملية السياسية بعد عام 2003


لكن الباحث السياسي، محمد خليل، يتخوف من «تأثير الأحداث الأمنية الأخيرة كالاحتجاجات وحرق المقار الحزبية من قبل جهات ترفض العملية السياسية والانتخابية في البلاد والحانقة على الأوضاع العامة. وبالتالي هذه كلها تعدّ مؤشرات سلبية تؤثّر على نجاح الانتخابات، من دون أن تخلق أزمة جديدة». ويضيف أن «هناك الكثير من التساؤلات التي يجب طرحها قبل الانتخابات، وهي تتعلّق بالضغوط السياسية التي تمارس على المفوضية نفسها، فضلاً عن الصراع الذي اشتعل مبكراً بين القوى السياسية على حجز كرسي المحافظين قبل إجراء التصويت وإعلان النتائج».
أما الأكاديمي والمحلل السياسي، حيدر الجوراني، فيشير إلى أن «حرمان نسبة كبيرة من النازحين الذين يقيمون خارج المخيمات، بسبب شرط تصويتهم في دوائرهم الأصلية، يؤشر إلى عدم جدية في توفير فرص متساوية وبيئة آمنة للمواطن لممارسة حقه الديموقراطي». ويرى أن أغلب المؤشرات تدلّ على تدنّي نسبة المشاركة، وربما تكون في أدنى معدّلاتها منذ بداية العملية السياسية بعد عام 2003، لافتاً إلى أن «مفهوم المقاطعة كحقّ ديموقراطي ودستوري أصبح جزءاً من وعي سياسي، وخاصة بعد مقاطعة معظم قوى الاحتجاجات انتخابات عام 2021. ومن ثم دعوة الصدر الأخيرة إلى المقاطعة قد تجد صداها ضمن فضاء واسع من الجمهور فاقد الثقة بالأحزاب. وهذا قد يرفع نسبة المقاطعة حتى عند جمهور من خارج التيار الصدري».
في المقابل، يعتقد عضو في تحالف «نبني»، وهو أحد الأجنحة السياسية المشاركة في الانتخابات، علي حسين الفتلاوي، أن العراقيين متحمسون للمشاركة، وخاصة في محافظات الوسط والجنوب. ويرى، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الأصوات المقاطعة والتي تحاول عرقلة الانتخابات، هي خاسرة أو ربما تمتلك جمهوراً ضعيفاً. فلهذا من مصلحتها التأجيل أو بث الإحباط لدى العراقيين». ويتوقع أن تكون «المشاركة واسعة، وربما ستكون النتائج مفاجئة جداً لما يعتقده الكثيرون، وخاصة أن أغلب الناس فهموا الانتخابات والهدف منها، فضلاً عن أن الحكومة الحالية ومفوضية الانتخابات تصرّان على نجاحها بعيداً من التدخّلات السياسية أو التلاعب بالنتائج. فلذا ستمضي الانتخابات التي ينتظرها الجميع لتحسين الواقع الخدمي والمعيشي في جميع المحافظات».