هذه سياسة رياض سلامة لـ«الترقيع» و«شراء الوقت» و«تذويب الخسائر»
اللافت، أن الإنفاق لم يستقطب اعتراضات من أيّ مسؤول أو وزير في الدولة، أو أقلّه في إطار محاولة لوضع خطّة لإنفاق الأموال على ما يفيد الوضع الاقتصادي العام ويخفّف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية عن السكان. لم يُستعمل أي قرش من هذا المبلغ لشراء باصات نقل عام، على سبيل المثال. ولم يُستعمل لتأمين انطلاقة تغطية صحية بحدّ أدنى. لم يُستعمل أي جزء منه لتأمين استدامة التعليم العام. بهذه المبالغ سُدّدت اشتراكات عن لبنان للمنظمات الدولية، وأُنفقت أموال لا يُعرف شيء عن الحاجة إليها، والأمر الوحيد المعروف أنها استُعملت لدعم أسعار الأدوية التي لا تتوافر في السوق وأسعارها ظلّت مرتفعة جداً بينما صُبّت الأموال في جيوب المستوردين التجّار. وحتى حين أطلق حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري حملته القائمة على وقف تمويل الدولة من موجودات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، إلا أنه بحسب ما علمت «الأخبار»، وافق على أن يُدفع من موجوداته مبلغ 49 مليون دولار للبنك الدولي نيابة عن الحكومة و7.5 ملايين دولار لمشغّلي الكهرباء، بضمانة مبلغ مماثل من حقوق السحب الخاصة، على أن يقوم مصرف لبنان بشراء الدولارات من السوق لتمويل هذه العملية تدريجياً. لكنّ المصرف اصطدم بمسألة أساسية: وزير الصحة فراس الأبيض سبق أن طلب 70مليون دولار لدعم الأدوية لشهرين، وتبيّن أن هناك شحنات قمح مستوردة سابقاً بتمويل من حقوق السحب الخاصة بقيمة 8 ملايين دولار... أي إن هناك أموالاً محجوزة للدفع أكثر من رصيد الحساب!
ما سبق هو نموذج عن استنسابية الحكومة وقوى السلطة في السياسات المالية والنقدية والاقتصادية. لا تخطيط. لا رؤية. لا أهداف. لا جدوى. المزرعة استمرّت بكونها مزرعة مع زيادة في الفوضى الناتجة من الانهيار والأزمة النقدية والمصرفية. والسلطة تركّز عملها اليوم على تبديد ما تبقّى من السيولة بالدولار لتغطية حاجات خارج أي أولويات وأي نقاشات وأي استراتيجية. هذه أصلاً كانت السياسة التي اتّبعها رياض سلامة من خلال «الترقيع» و«شراء الوقت» و«تذويب الخسائر»، وقوى السلطة بكل أطيافها لم تحد قيد أنملة عنها. كل ذلك يأتي فوق إنفاق من سيولة مصرف لبنان بالعملة الأجنبية بقيمة 14 مليار دولار على الدعم. من يأبه لمليار إضافي؟