يبدو أن التحدّيات التي تواجه نظام العدالة في لبنان لا نهاية لها، إذ تعاني أجهزة إنفاذ القوانين والدوائر القضائية والضابطة العدلية نقصاً حاداً في الموارد البشرية والمادية. ويعاني النظام القضائي ضعفاً متزايداً وتدخلات متكررة في عمله من قبل سياسيين وغيرهم من الجهات المؤثرة. أما السجون المكتظة بشكل خانق فتفتقر بشدّة إلى حاجاتها الأساسية، خصوصاً الخدمات الطبّية والغذاء وبرامج إعادة التأهيل. في ظل هذه الأزمات التي تبدو مستعصية، يسعى بعض المعنيين بالعمل اليومي في السجون إلى التكاتف والتضامن بهدف تخفيف المعاناة والسعي إلى حلحلة بعض المشكلات. علماً أن هذه المساعي تبقى محدودة، إذ لا بدّ من خطة نهوض شاملة لم ترَ النور حتى قبل تفاقم الأزمات. فرغم أهمية قطاع السجون، بقي الاهتمام بإصلاحها بعيداً عن أولويات السلطة الحاكمة

تتفاقم الأزمة السياسية مع استمرار الانهيار الاقتصادي. القطاعان العام والحكومي هما الأكثر تضرراً بينما تتزايد بعض الجرائم العنيفة والسرقات وعمليات السطو المسلّح والنشل والاحتيال. صحيح أن الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام وأمن دولة والشرطة البلدية لا يزالون يعملون ويسعون، قدر المستطاع، للحفاظ على الأمن وعلى سلامة الناس وممتلكاتهم، لكن معنويات الضبّاط والعناصر تتراجع يوماً بعد يوم ورواتبهم بالكاد تكفي لتغطية كلفة حاجاتهم وحاجات عائلاتهم الأساسية.
يومياً، تلقي القوى الأمنية والعسكرية القبض على عشرات وأحياناً مئات المطلوبين أو المشتبه فيهم بارتكاب جرائم، بينما السجون مكتظّة أصلاً والقضاء يعاني مشكلات عديدة تؤخر صدور الأحكام والقرارات القضائية. وقد أدى ذلك إلى مزيد من الاكتظاظ ما دفع بقوى الأمن الداخلي إلى الإبقاء على الموقوفين في نظارات المخافر ونظارات قصور العدل التي أصبح فيها الاكتظاظ أخيراً خانقاً، ولم تعد كافية لاستيعاب مزيد من المحتجزين حتى لو حشروا فيها حشراً. أضف إلى ذلك، ارتفاع نسبة النازحين السوريين في لبنان لتصل إلى أعلى نسبة في العالم، وقد بلغت نسبة الموقوفين والمحكومين السوريين في السجون والنظارات اللبنانية نحو 40%. والمشكلات لا تزال تتفاقم مع استمرار زيادة عددهم يومياً.

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

وتقدم بعض المنظمات غير الحكومية المساعدة من خلال تزويد السجون ببعض الحاجات الأساسية والأدوية، ومن خلال برامج إعادة التأهيل والتعليم، خصوصاً للسجناء الأصغر سناً، إلا أن الموارد شحيحة والمساهمات غير كافية.
وسط هذا الوضع العصيب، يبذل ضبّاط قوى الأمن الداخلي وعدد من المحامين وبعض العاملين في منظمات غير حكومية جهوداً للتعامل مع التحدّيات. واتفق بعضهم على عقد لقاءات دورية تطرح خلالها بعض المشكلات وتناقش الحلول وتطلق مبادرات مشتركة للعمل على حلّها أو التخفيف من أثرها. لم تتحول هذه اللقاءات إلى اجتماعات رسمية، رغم مشاركة ضبّاط رفيعين وقضاة مهمّين فيها، بعد حصولهم على أذونات من السلطات المختصة. فالاجتماعات الرسمية قد لا تكون منتجة في ظل الوضع الحالي الصعب الذي تعانيه السجون، وقد تبقى القرارات التي تُتّخذ في هذه الاجتماعات حبراً على ورق، وقد لا تُقارَب المشكلات بواقعية وصراحة وانفتاح خلالها. وبالتالي قرّر المشاركون في هذه اللقاءات التي باتت تعرف باسم اللقاءات الشهرية لمجموعة العمل المعنية بالسجون، أن تكون الزمالة والصداقة والهموم المشتركة هي الدافع الأساسي والنهج المتّبع.
طُوّرت رؤية مجموعة العمل المعنية بالسجون خلال اللقاءات الأولى التي عقدت عام 2022. وربما كانت الأزمة الاقتصادية يومها في ذروتها وكانت التحدّيات التي تواجه إدارة السجون تتزايد، إذ أضيفت إليها التحدّيات المتعلقة بانتشار وباء كوفيد-19. وكانت هناك حاجة ماسّة لتأمين بعض الضروريات الأساسية مثل الطعام ومياه الشرب النظيفة والأدوية. وقد طغت الأزمة على كل شيء. ومع ذلك، تمكن المشاركون في المجموعة من الاتفاق على رؤية مشتركة شاملة ترتكز على جهد جماعي للمساعدة في تصحيح السلوك الإجرامي وتعزيز الكرامة الإنسانية، من خلال تقليل معاناة السجناء وعائلاتهم، وتأمين لوازم ضبّاط وحراس السجون في قوى الأمن الداخلي والموظفين المدنيين والمنظمات غير الحكومية الناشطة في السجون.
أما المنهجية فتعتمد الشمولية والتوجه التشاركي الشامل، إذ إن المجموعة منفتحة على جميع المعنيين بالسجون والمهتمين بتحسين أوضاعها. والباب مفتوح على إشراك كل مؤسسة ومنظمة أو جهات حكومية أو غير حكومية ومجموعات محلية ودولية تعمل في السجون ومعنية بأوضاعها بأي شكل من الأشكال.
المجموعة منفتحة على جميع المعنيين بالسجون والمهتمّين بتحسين أوضاعها


تتكون مجموعة العمل المعنية بالسجون، حتى الآن، من مديرية السجون في وزارة العدل، وممثلين عن قوى الأمن الداخلي، ومستشار وزير الداخلية للسجون، ورئيس قسم السجون في وحدة الدرك الإقليمي، واللجنة القضائية لتخفيض مدة العقوبة السجنية ممثلة بأحد كبار قضاتها، ومحام يمثل نقابة المحامين في بيروت، والهيئة الوطنية لحقوق الإنسان التي غالباً ما يمثلها رئيسها، والمركز اللبناني لحقوق الإنسان، واتحاد حماية الأحداث، واللجنة الدولية للصليب الأحمر (بصفة مراقب) وعدد كبير من المنظمات غير الحكومية العاملة في السجون: الحركة الاجتماعية، وجمعية العدالة ورحمة (AJEM)، وجمعية الأب عفيف عسيران، وجمعية «نسروتو»، وكاريتاس، وجمعية «ريستارت»، ودار الأمل وجمعية «شيلد»، وجمعية «شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحد من مخاطر استخدام المخدرات» (MENAHRA)، وجمعية «سايرنز».
الجدير بالذكر أن المشاركين في مجموعة العامل المعنية بالسجون دأبوا على دعوة زملائهم وأي منظمة أو مؤسسة تعمل في السجون أو معنية بتحسين أوضاع السجون للانضمام. وقام ضباط قوى الأمن الداخلي أخيراً بدعوة جنرال متقاعد، وهو طبيب أيضًا، للمشاركة في لقاء مجموعة العمل المعنية بالسجون لمناقشة التحدّيات التي تواجه الصحة في السجون. كما دعت المجموعة ممثلة عن منظمة الصحة العالمية لتقديم عرض حول برامجها في السجون اللبنانية والمشاركة في النقاش حول كيفية التعامل مع التحدّيات الصحية. وعلم المشاركون في المجموعة أن السفارة النرويجية في بيروت ترعى برنامج دعم الصحة في السجون، لذلك أُرسلت دعوة إليهم وأرسلوا ممثلين عنهم شاركوا في النقاش حول الصحة في السجون.
كما طلبت وكالة التعاون الإسبانية مشاركة مجموعة العمل المعنية بالسجون في ورشة عمل نظمتها بالشراكة مع قوى الأمن الداخلي حول السجون في لبنان.

أهداف مجموعة العمل المعنية بالسجون
تشمل أهداف المجموعة:
■ تبادل المعلومات والخبرات والتشاور بين الزملاء.
■ التنسيق بين المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة من أجل:
o منع ازدواجية البرامج والمساهمات.
o تعزيز التعاون والمبادرات والبرامج المشتركة.
■ التنسيق بين المنظمات غير الحكومية وقوى الأمن الداخلي والحفاظ على الاستقرار في السجون.
■ التقارب والتنسيق بين المنظمات غير الحكومية وقوى الأمن الداخلي ومفوضي حقوق الإنسان والسلطات القضائية لمناقشة مختلف التحدّيات في إدارة السجون.
■ تقديم الدعم لقوى الأمن الداخلي والسلطة القضائية للمساعدة في تخفيف اكتظاظ السجون.
■ تركيز الجهود على تحسين أوضاع السجون من خلال العمل على تأمين الاحتياجات الطارئة.
■ المشاركة الفعّالة في مبادرات تحسين أوضاع السجون وتقليل الاكتظاظ. وتشمل هذه المبادرات تطوير التشريع والرقابة البرلمانية وتعزيز دور مجلس القضاء الأعلى والمدّعي العام.
يتطلب تحقيق هذه الأهداف موارد بشرية ومادية كبيرة ليست متوفرة في كثير من الأحيان.
اللقاءات الشهرية لمجموعة العمل المعنية بالسجون مستمرة منذ عام 2022، وكان حضور المشاركين فيها منتظماً إلى حد كبير. وقد أرسل عدد من المشاركين اقتراحات تضمّنت موضوعات للمناقشة لإضافتها إلى جداول أعمال اللقاءات.