«أهلاً وسهلاً بكم في منزل آل «كرومانيون». عائلة لبنانيّة تشبه عدداً من العائلات الأخرى التي تعيش صراعاً يوميّاً بين القنابل والعواصف وانقطاع التيار الكهربائي. لكن ما سنشاهده اليوم هو يوم مميّز: فالابنة الكبرى ستتزوّج وعلى الأمور أن تكون مرتّبة على أكمل وجه للاحتفال. ولكن أين العريس؟ علينا إيجاده! طبعاً، سنجده بين الحضور. عند الشعور بالضغط، يهين المرء نفسه، يضحك، يتشاجر مع نفسه ثمّ يصالحها». هكذا، يُعرَّف عن مضمون مسرحية «وليمة عرس عند رجال الكهف» (تمثيل فادي أبي سمرا، وجان ديستريم، وليال الغصين، وعلي حرقوص، وبرناديت حديب، وعايدة صبرا) التي يُفترض أن يقدّمها المسرحي الكندي ــ اللبناني الأصل وجدي معوّض بين 30 نيسان (أبريل) الحالي و19 أيار (مايو) المقبل، على خشبة «مسرح مونو»، حيث سبق أن عرض «الساحل» في عام 2001 و«وحدهم» في 2013.
دعاء العدل ـ مصر

اليوم، يعود معوّض لإخراج النسخة العربية من Journée de noces chez les Cromagnons مع فريق لبناني، في تجربة هي الأولى له ضمن هذا المشروع، وفي إطار جولة عالميّة في طور التحضير. علماً أنّ العمل من إنتاج مسرح «لاكولين» الباريسي (يتولّى معوّض إدارته منذ خريف عام 2016 وتجدّد تعيينه قبل أيام حتى عام 2027)، بالشراكة مع مهرجان Printemps des Comédiens، وبدعم من «المعهد الفرنسي في باريس»، ومن «المعهد الفرنسي في لبنان» الشهير بمحاولاته التطبيعية من باب الثقافة كما حدث في 2022 حين شهدت الدورة الأولى من مهرجان «بيروت كُتب» بلبلة واسعة بعد انسحاب خمسة كتّاب مطبّعين مع العدو الإسرائيلي كان يفترض أن يشاركوا في الإعلان عن القائمة القصيرة لجائزة «غونكور» الأدبية العريقة من لبنان للمرّة الأولى.
يقول المنظّمون إنّ وجدي كتب هذه المسرحيّة وهو في الـ 23 من عمره، وأنّها بمنزلة «المخطوطة الأولى لمسرحه: الحنين إلى عالمٍ مفقود، وألم النفي، وظلام الحرب الأهليّة اللبنانيّة»، مشبّهين الأمر بالحمولة التي يورثها الأهل لأبنائهم: «لكنّ مآسي العائلة يجب ألا تستحيل مآسي أولادها». وإلى جانب متعة الفرجة، يقدّمون سبباً إضافياً للناس لمشاهدة العمل يتمثّل في دعم «جمعية السبيل» والمكتبات العامة لبلدية بيروت.
وفور بدء الحملة الترويجية، باشر المنتشون بـ «إنجازات لبنان العالمية» التهليل للمسرحية ــ الحدث التي تندرج بالنسبة إليهم في سياق الأدلّة «الدامغة» على أنّ أبناء بلاد الأرز «يحبّون الحياة» ويرفضون «ثقافة الموت». لكن سقط «سهواً» من بال هؤلاء ومتبنّي المسرحية الذين يحاولون منذ أشهر إيجاد فضاء محلّي يحتضنها قبل أن يستقرّوا في الأشرفية، أنّ وجدي معوّض الذي سبق أن صفّقنا لموهبته الفنية والأدبية، قرّر عن سابق إصرار وتصميم قبل سنوات الانزلاق إلى مستنقع التطبيع، ليصل به الأمر إلى حدّ أنسنة العدو الإسرائيلي والتواطؤ معه. وهو لا يخفي الأمر، خصوصاً منذ تولّيه إدارة «لا كولين»، حين بدأ التستّر خلف واجهة «السلام» وعناوين خاوية وساذجة أبرزها «الانفتاح على الآخر». كل ذلك طبعاً بهدف ضمان رضى المنظومة الثقافية والإعلامية المهيمنة في فرنسا. وتمثّل خياره في مساندة الكيان الصهيوني عبر استقبال الأعمال الآتية من مسرحه، مروراً بتقديم إنتاجات إسرائيلية، وعقد شراكات إنتاجية مع جهات صهيونية. ولعلّ أوضح مثال على ذلك مسرحيته «الكلّ عصافير» التي حظيت في 2019 بدعم وتمويل من القسم الثقافي في سفارة الاحتلال في فرنسا، ومن «مسرح كاميري» في تل أبيب.
الحرب دائمة الحضور في أعمال وجدي معوّض، رغم علامات الاستفهام التي تُرسم حول سرديته عنها.
حاول المنظّمون لأشهر إيجاد فضاء بيروتي يحتضن العرض

وإذا عدنا إلى تاريخ التاسع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023، يوم شرح معوّض موقفه من حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزّة في مقال نشره في صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية (راجع مقال الزميلة ألمى أبو سمرة)، قد تتجلّى الصورة أكثر. وفيما أقرّ معوّض بأنّه نشأ على كره الفلسطينيين، جاهر أخيراً بمساندته للقاتل. إذ رأى في «ميليشيات حماس» رمزاً لـ «قوى الظلام المجنون» التي لا تكتفي بـ «فظائع أعمالها من خطف وتدمير يدفع المدنيون الفلسطينيون ثمنه»، بل «تغذي نبتة الكراهية تجاه السامية» على نحو تغدو معه الأيام المقبلة «خوفاً ورعباً ونفياً وشتاتاً، بل مقبرةً، لكلّ يهودي»! وفي الوقت الذي يخوض فيه لبنان مواجهة كبيرة مع العدوّ الإسرائيلي تزامناً مع اقتراب المجزرة الغزّاوية من شهرها السابع، هناك مَن قرّر استضافة شخص انحاز إلى السردية الصهيونية وصافح القاتل في عزّ إبادة مباشرة على الهواء. في هذه الأثناء، بدأت «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان»، اتصالاتها اليوم الأربعاء بهدف درس السبل القانونية لوقف العروض المرتقبة في العاصمة، خصوصاً أنّ معوّض مطبّع بحسب القانون اللبناني. من ناحيتها، أكدت «السبيل» لـ «الأخبار» أنّها أوقفت حملة التمويل الجديدة الخاصة بها من خلال العرض ما قبل الأوّل لـ «وليمة عرس عند سكان الكهف» (30 نيسان) الذي يندرج ضمن الحملات الهادفة لتمويل أنشطتها عن طريق المسرحيات. ولفتت الجمعية إلى أنّه «نظراً إلى الملابسات القائمة، نعلن عن إيقاف الحملة، متوجهين بالشكر لكل من بادر واشترى بطاقات بهدف دعم أنشطنا».