لندن | بعد أسابيع على انشغال الصحف الصفراء ومواقع التواصل الاجتماعي في بريطانيا والعالم بعدد من نظريات المؤامرة حول غياب كيت ميدلتون عن المشهد العام، ظهرت أميرة ويلز وزوجة ولي العهد في شريط فيديو قصير أعلنت فيه عن إصابتها بالسرطان، وشروعها بتلقي علاج كيميائي، مطالبةً الجميع بمنحها وأسرتها بعض الهدوء والخصوصية كي تمضي في رحلة العلاج بسلام. وقد تسبّبت هذه الأنباء المقلقة بشأن صحة ملكة بريطانيا المقبلة، في توسيع دائرة المخاوف حول صحة النظام الملكي برمته، إذ جاء بعد أسابيع على إعلان أن العاهل البريطاني الملك تشارلز الثالث مصاب أيضاً بالسرطان، وسيخضع للعلاج. رغم الصيغ المفعمة بالشجاعة والتفاؤل التي أُطّرت بها هذه الإعلانات، فإنّ هشاشة النظام الملكي المعتمد على عدد محدود من الأفراد التنفيذيين بدت مسألة مطروحة بشدة، ولا سيما بعدما اختار الأمير هاري وزوجته ميغان – أي نصف الصف الثاني بأكمله - الانسحاب من الأدوار الرسميّة المرتبطة بمؤسسة العرش، وانتقلا إلى العيش على الجانب الآخر من الأطلسي، فيما يبدو الأمير ويليام – الملك المقبل وفق نظام توارث العرش – مفتقداً للقدرة والرغبة في لعب أدوار رئيسة لإدارة المملكة المتحدة على النسق الذي قامت بها جدته الراحلة، الملكة إليزابيث الثانية. أما الملك وزوجته الملكة كاميلا فهما في السادسة والسبعين من عمرهما، فيما أبناء ولي العهد الأمير ويليام وزوجته كيت (الصف الثالث) ما زالوا أطفالاً دون العاشرة. ولا تقدّم الخطوط الموازية من السلالة ذات الدم الجرماني الأزرق أيّ بدائل ممكنة. إذ إن شقيق الملك الأمير أندرو (58 عاماً) قد توارى عن الأضواء بعدما كُشف عن تورطه في فضائح جنسيّة مع قاصرات ضمن شبكة الملياردير الأميركي الراحل جيفري إبستين، فيما تبلغ زوجته عقدها السابع خلال أشهر. كما أنّ الأميرة آن (73 عاماً) بحكم المتقاعدة، والأمر نفسه ينطبق على أبناء عم الملك، الأمير إدوارد، دوق كينت الذي يبلغ 88 عاماً، والأمير ريتشارد، دوق غلوستر البالغ 79 عاماً.
ولو سلمنا جدلاً بأن الرعاية الطبيّة المتفوقة التي سيتلقاها الملك قد تمدّد عمره عشر سنوات إضافية، فإن دخول أمراء الصف الثالث (جورج وشارلوت ولويس) في دائرة الخدمة التنفيذيّة ليس محسوماً، ولا سيّما إن وصلت إلى أياديهم نسخ من كتاب عمّهم هاري عن المأزق السايكولوجي الذي تغلّفه الألقاب الملكيّة (انظر الأخبار 26/1/2023)، وقد يختار بعضهم على الأقل التخلي عن الأدوار التنفيذية الرسمية لمصلحة اهتمامات مهنية وعائليّة أخرى.
الشكوك حول قدرة السلالة الملكيّة على مواصلة لعب دور رأس النظام البريطانيّ، القائم على تحالف عميق وعريق بين البورجوازية والأرستقراطيّة الذي نجح في حماية الجزيرة الواقعة بين أوروبا وإيرلندا من حمى جمهوريات اجتاحت أوروبا بعد الثورة الفرنسيّة وقطع رأس الملك لويس السادس عشر، لم تعد مقتصرة على أنصار النظام الجمهوري في بريطانيا بعد إعلان الأميرة كيت، بل امتدت إلى قلب الدوائر المؤيدة للملكيّة. وعنونت صحيفة «ديلي ميل» الشعبيّة على نصف صفحة غلافها الأسبوع الماضي: «إذا لم تكن السلالة المالكة في ساعتها الحادية عشرة تماماً، فهي قريبة بشكل خطير». ويتحدّث المراقبون عن «خلل وظيفيّ مثير للقلق» في قدرة السلالة لا على إدارة المملكة فقط، بل حتى إدارة شؤونها الخاصّة، بما في ذلك الإمبراطوريّة الضخمة من العقارات والأراضي والمصالح الماليّة التي تمتلكها سواء في بريطانيا أو أوروبا والجنات الضريبيّة التابعة للتاج البريطانيّ. أمر دفع كثيرين إلى التساؤل عن جدوى الاحتفاظ بهذا العدد الكبير من القصور والقلاع الملكيّة وطواقم الخدمة فيها (قصر بكنغهام وحده يضم 775 غرفة) في وقت لم يعد هناك عدد كاف من أفراد السلالة للمرور بها، في حين يقيم ربع أطفال بريطانيا في هوامش على جانبي خط الفقر، وبالكاد يحصلون على وجبتين في اليوم. على أنّ لا أحد في المملكة يبدو في وارد التخطيط للتعامل مع واقع تلاشي السلالة، وشكل النظام في اليوم التالي. مع بهتان الشخصيات التي تفرزها النخبة الحاكمة لقيادة حكومة البلاد وانعدام فرصها في التأسيس لعقد اجتماعيّ جديد، فإن الجميع – ملكيين وجمهوريين – كأنّهم في انتظار غودو ليشير عليهم بما يجب فعله. وبما أن غودو، بطل مسرحيّة صموئيل بيكيت الشهيرة، لن يأتي، فحتماً لن يملأ مكانه في هذه اللحظة من التاريخ سوى العمّ سام. هل سيقرّر دونالد ترامب، الأفضل حظاً لرئاسة الولايات المتحدة في السنوات الأربع القادمة، مستقبل الملكيّة البريطانية؟