قبل سنتين، عرض مسلسل «كسر عضم» (كتابة علي صالح ـــ إخراج رشا شربتجي ـــ إنتاج «كلاكيت ميديا»/ إياد النجّار ــــ بطولة: فايز قزق، خالد القيش، نادين تحسين بيك، كاريس بشار، ومجموعة من الممثلين الشباب). تمكّن حينها من استقطاب الأنظار كونه عرف كيف يبدأ اللعبة من ذروة درامية عالية، ويصدم المشاهد بحدث كبير بدلاً من التمهيد والاستهلال وإضاعة الوقت الجوهري. استطاع العمل الإمساك بالمشاهد منذ اللحظات الأولى باقتراحه مفتاحاً تشويقياً، ثم التصعيد نحو مكامن تأخذ على عاتقها إمكانية التسلل إلى أوكار الفساد المحصّنة. كان التعويل على تعاقب الحكاية البوليسية والأداء التمثيلي المحكم. وبالفعل، استمر نجاح العمل الجماهيري حتى انتهاء العرض، مع العناية النقدية التي تعقّبت الجدل الذي أثاره، وهو ما دفع الشركة السورية المنتجة التي تعمل من أبوظبي، إلى محاولة استثمار نجاحها بإنجاز جزء ثانٍ يعرض في العام الذي يليه. لكن المفاجأة كانت انسحاب المخرجة ومعها الكاتب من العمل وتصريحهما العلني عن ذلك! كان التحدّي كبيراً أمام الشركة المنتجة التي يبدو أنها أقنعت سلفاً محطّات كبيرة في استمرار التجربة بجزء ثانٍ. ورغم الخلاف الكبير مع الصنّاع، مضت «كلاكيت» في مشروعها تحت عنوان «كسر عضم 2- السراديب»، مستعينة بالمخرج الثاني للجزء الأول أي كنان اسكندراني، وبكاتبين شابين هما: هلال أحمد ورند حديد. ثم باشرت التصوير في لبنان، من دون الدخول في أي مماحكات مع الرقابة في سوريا باعتبار أن الجزء الأوّل أثار حفيظة الرقيب، ولفت النظر إلى مقترحه الحكائي بطريقة فجة، إلى درجة خلّفت استغراب بعض المتابعين عن كيفية تحصيل الموافقات اللازمة وإذن التصدير لعمل يجابه فساد بعض المؤسسات الأمنية وأذرعها الممتدة في البلاد. لكن بسبب الكثير من المعوقات الإنتاجية، لم يستطع المسلسل إكمال خطّة إنجازه، فجيّر التصوير لهذا الموسم، وقد صوّر ما تبقى من مشاهده في إمارة أبوظبي وعاد ليرى النور على القنوات الفضائية أبرزها «أبوظبي» وlbci. ورغم عدم تحقيقه مستويات المشاهدة والتفاعل اللذين نالهما في جزئه الأوّل ومرور حلقاته الأولى بإيقاع بطيء نسبياً، إلا أنه نجح في صوغ حكاية جديدة تتكئ على شخصيات حديثة مع تقويض واضح للشخصية الرئيسية أبو ريان (فايز قزق)، والاكتفاء بوجوده ثانوياً ثم الإطاحة بالكثير من الشخصيات الرئيسية وظهور فاسدين جدد، من دون التخلّي عن أحد عناصر نجاحه الجماهيري في الجزء الأوّل، أي شخصية أبو مريم (كرم الشعراني). ثم راح نحو إعادة تمرير الشخصيات السابقة وفقاً لسياق الحكاية التي تفترض أنّ حبل الفساد طويل ولا يمكنه اجتثاثه. ثم جرّب مقاربة الواقع الذي يعيشه المواطن السوري وظروفه الخدماتية المسحوقة عبر مجموعة من الحوارات الحيوية التي تسير جنباً إلى جنب، في موازاة عمليات التصفيات والصراعات المافيوية، واقتحام المناطق المحرمة على طريقة المكاشفة الحرّة والصريحة والمباشرة الزائدة التي تعتبر مطباً في بعض الأحيان. وإذا كانت فكرة وصول العمل إلى الشاشة رغم تخلي صناعه عنه، يُحسب كنقطة إيجابية لمصلحة العمل في المنطق الإنتاجي والتجاري، إلا أنه من الواضح احتياج هذا الجزء إلى المعالجة الشاملة في ما يخص الحكاية بقصد تعميق الحلول الدرامية، والشغل على تصعيد الحالة التشويقية التي تبنى عليها هذه النوعية من الأعمال البوليسية إن صحّ التعبير. ويظلّ الأداء التجسيدي لبعض ممثلي القصة بمنزلة علامة فارقة تسجّل لمصلحة المسلسل، خصوصاً إيهاب شعبان الذي يقدّم مقترحاً أدائياً عفوياً يتباين مع شخصيّة الضابط التي يلعبها في مسلسل «تاج». كذلك الأمر مع علا باشا التي بدأت مسيرتها بأدوار بطولة مطلقة ثم ابتعدت لفترات طويلة. هنا تلعب دور مدرّسة مسكونة بهاجس طلّابها وظرفها الحيوي المسحوق بتلقائية وانسجام عالٍ مع شكل الشخصية وحالتها النفسية من دون استعراضات ولا مبالغات.

* «كسر عضم 2- السراديب» على قناة «أبوظبي» (س:20:00) وlbci (س:14:30)