شهد عالم العملات المشفرة، اليوم السبت حدثاً مفصلياً، تمثّل بـ «انقسام بتكوين» (Bitcoin Halving). الحدث الذي يحصل مرّة كل أربع سنوات، أتى مصاحباً لسلسلة من التغييرات الجوهرية لشبكة البتكوين التي تسمى بلوكتشاين أو «سلسلة الكتل»، بالإضافة إلى تغييرات في البنية الأساسية للعملات المشفرة عموماً. ويعود هذا الانقسام إلى آلية مدمجة في برمجية بتكوين هدفها تنظيم معدل الإنتاج للعملات الجديدة وضبطه بما يضمن الندرة والحفاظ على سلامة الشبكة بشكل أفضل.
كيف تُنتَج عملة بتكوين؟
تُنتج العملات الجديدة من بتكوين عبر ما يُعرف بالتعدين (Mining)، وهو عملية يتبارى عبرها المستخدمون (أو ما يُعرف بالمعدّنين) فيما بينهم لخلق كتلة جديدة أو بلوك جديد داخل شبكة بلوكتشاين الخاصة ببتكوين. وأسرع جهة أو مستخدم أو فريق ينتج البلوك الجديد، تكافئهم شبكة البلوكتشاين عبر 6.25 من عملات بتكوين مقابل عملهم الذي يتخلله صرف كميات كبيرة من الكهرباء في أجهزة حاسوبية مختصة بالتعدين تحلّ معادلات رياضية معقدة جداً. تساعد هذه العملية على تأمين شبكة بلوكتشاين وضمان سلامة جميع المعاملات والبيانات المتداولة عليها. وهي تُعدّ تنافسية جداً وتتطلب استثمارات ضخمة في المعدات الحاسوبية القوية والطاقة الكهربائية، لذلك غالباً ما تتم من قِبل مجموعات أو شركات متخصصة في هذا المجال.

ما هو «انقسام بتكوين»؟
Bitcoin Halving عبارة عن تغيير في بروتوكول شبكة بلوكتشاين، والذي يؤدي إلى انخفاض المكافآت على عمليات خلق بلوك جديد على الشبكة، وتحدث هذه العملية مرة كل 4 سنوات تقريباً، وتحديداً بعد تعدين 210 آلاف بلوك من شبكة البلوكتشاين. ونتيجة ذلك، تنخفض قيمة المكافأة على خلق بلوك جديد إلى النصف، ومن المفترض أن يؤدي ذلك، نظرياً، إلى دفع سعر العملة المشفرة إلى الأعلى.

تسلسل «انقسام بتكوين» الزمني
عند ظهور عملة بتكوين للمرّة الأولى في عام 2009، كان «المعدنون» يحصلون على 50 بتكوين كمكافأة على خلق كل كتلة تضاف على الشبكة، إلى أن حدث الانقسام الأوّل في 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، إذ تقلّصت مكافأة تعدين الكتلة إلى 25 بتكوين، ثم وقع الانقسام الثاني في 9 تموز (يوليو) 2016، ليصبح 12.5 بتكوين. بعدها أيضاً وقع آخر انقسام في 11 أيار (مايو) من عام 2020، فأصبحت المكافأة 6.25 بتكوين عن كل بلوك جديد. ومع حصول الانقسام الحالي، أصبحت المكافأة 3.125 بتكوين، ما يزيد من الندرة والطلب بشكل محتمل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الجهد الحاسوبي الكبير والطاقة الكهربائية المطلوبَيْن لإنتاج بلوك جديد سيبقيان نفسهما، في حين أن عدد عملات بتكوين التي سيحصل عليها المعدّن وحده سينخفض.

كيف يتأثر سعر بتكوين؟
تؤثّر عملية انقسام بتكوين عادةً بشكل كبير على سعرها، إذ تنخفض أعداد العملات الجديدة التي تدخل السوق. وبالنظر إلى الأحداث المشابهة في السابق، نجد أنّ قيمة العملة قد ارتفعت بنحو 8000 في المئة في السنة الثانية التي حدث فيها الانقسام الأوّل، ثم شهدت ارتفاعاً آخر يبلغ 1000 في المئة في أعقاب الانقسام الثاني. أما الانقسام الأخير، فأعقبته موجة شراء من المضاربين على صعود السعر انتهت بسعر قياسي لبتكوين بلغ نحو 69 ألف دولار في تشرين الثاني 2021.

التحوّل والتداعيات
بالإضافة إلى التأثيرات المالية المتوقعة، يُنتظر أن يحمل تحوّل بتكوين، تحسينات شاملة في كفاءة الشبكة وأمانها، ما سيعزّز من قابلية استخدامها وجاذبيتها للمستخدمين والمستثمرين على حد سواء. التحسينات ليست مطلوبة لضمان استمرارية نمو بتكوين واعتمادها كعملة مشفرة فقط، بل تعدّ أيضاً أساسية لدعم تطورات الاقتصاد الرقمي وتحقيق الاستقرار المالي على المدى الطويل.

يمثّل «انقسام بتكوين» لحظة فارقة في تاريخ العملات المشفرة، إذ يبرز أهمية الابتكار المستمر والتطوّر التكنولوجي في تعزيز الثقة والاعتمادية في هذا النظام المالي الجديد، ويضع المهتمين في عالم العملات المشفرة تحت اختبار جديد يتطلب فهماً أعمق لهذا النوع من الاستثمار بغية الاستفادة من التحولات المتوقعة وتحقيق النجاح في بيئة العملات المشفرة المتغيرة باستمرار.