طرابلس | استبق المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، الذكرى الـ 13 لـ»ثورة 17 فبراير» التي أطاحت الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، بتقديم إحاطة إلى مجلس الأمن، حدّد فيها موقف كل مسؤول في السلطات الانتقالية الحالية في البلاد، مؤكداً أنه لا يوجد أفق لمسار يدعم إجراء الانتخابات من دون تحقيق توافق سياسي وحوار غير مشروط، يمهّد الطريق أمام إنجاز الاستحقاق. وهذه هي المرّة الأولى التي يوزع فيها الديبلوماسي الأفريقي، المسؤوليات بين كل أطراف النزاع بشكل واضح، وبالأسماء، أمام مجلس الأمن، موجّهاً الدعوة إلى الجهات الفاعلة من أجل الضغط على أولئك لتغيير مواقفهم والذهاب إلى المفاوضات، وخصوصاً في ظلّ استكمال الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات من قِبَل لجنة «6+6» المشتركة بين مجلسَي النواب و»الأعلى للدولة».وحدّد المبعوث الأممي العقبات التي تعترض طريق اللجوء إلى صناديق الاقتراع، وعلى رأسها الخلاف بين القوى والشخصيات السياسية حول الأولويات. إذ يعتقد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، أن القضية التي يتوجّب طرْحها أولاً هي تشكيل حكومة موحّدة معتمدة من مجلس النواب باعتباره «السلطة الشرعية الوحيدة»، مع التشديد على ضرورة مشاركة الأخير في المسار السياسي - أي مشاركة الحكومة التي يَعترف بها إلى جانب حكومة الوحدة بقيادة عبد الحميد الدبيبة أو استبعادهما معاً -، وهو الموقف نفسه الذي يؤيّده اللواء المتقاعد خليفة حفتر، فيما الدبيبة لا يزال مصرّاً على عدم التنحّي عن منصبه إلّا بعد إجراء الانتخابات وإشراف حكومته على الاستحقاق. من جهته، يعيد رئيس «المجلس الأعلى للدولة»، محمد تكالة، الخلاف إلى نقطة التشريعات الناظمة للعملية الانتخابية، والتي استغرق إعدادها 11 شهراً، ورفْض مجلسه القوانين الانتخابية التي أقرّها مجلس النواب باعتبارها جاءت مخالفةً لِما جرى الاتفاق عليه بين أعضاء لجنة «6+6» المشتركة في بوزنيقة، فيما يقف رئيس «المجلس الرئاسي»، محمد المنفي، على الحياد، مبدياً استعداده لدعم المبادرة الأممية للحوار.
لم تحمل الإحاطة الكثير من الملاحظات حول الأوضاع الأمنية في ليبيا باعتبارها تتّسم بالاستقرار الهشّ


وانطلاقاً من ذلك، أكد باتيلي، أكثر من مرة، «عدم وجود رغبة من الأطراف الليبية الرئيسة في حلّ المسائل العالقة»، معترفاً بفشل مهمّته لتمهيد الطريق أمام الانتخابات، بعد إخفاقه في إقناع المسؤولين بالعدول عن مواقفهم المسبقة قبل الجلوس إلى طاولة الحوار. وهو إخفاقٌ يبدو طبيعياً في ظل رغبة هؤلاء في «الحفاظ على الوضع القائم باعتباره الأنسب بالنسبة إليهم»، كما قال. أيضاً، شدد المبعوث الأممي على أن الحلّ في ليبيا من خلال الانتخابات لن يكون ممكناً من دون التوصّل إلى تسوية سياسية بين الأطراف المؤسسية، وتنحية «المصالح الشخصية» للقادة الليبيين، محذّراً من أن المواقف الحالية أصبحت «تثير الشكوك ليس فقط حول التزامهم بالانتخابات، ولكن بوحدة بلدهم ومستقبله». وعكس حديث باتيلي في نيويورك بشكل واضح مخاوفه من «تفكُّك الدولة الليبية وانقسامها بين الشرق والغرب»، وخاصة أن الانقسام الحكومي الحالي أعاد مشكلة غياب ميزانية واضحة يتمّ اعتمادها للإنفاق العام، بالإضافة إلى غياب التوزيع العادل للثروة على مختلف المدن، في ظلّ معاناة المنطقة الجنوبية من التهميش الاقتصادي والسياسي، وهو أمر يستوجب تحرُّكاً سريعاً من المسؤولين.
ووفق باتيلي أيضاً، يتحمّل رئيس مجلس النواب، المسؤولية الأكبر لجهة عرقلة التوصّل إلى اتفاق أو المساعدة في إدارة المرحلة الحالية، ليس فقط لتمسّكه بإقالة الدبيبة واستبعاده، ولكن لعرقلته أيضاً اجتماعات اللجنة المالية العليا التي دعا إليها المجلس الرئاسي، في تموز الماضي، باعتبارها محاولة لضبط النفقات المالية. كذلك، انتقد المبعوث الأممي محاولة صالح الالتفاف على دور «الرئاسي» عبر مناقشة مجلس النواب، مطلع الشهر الماضي، مشروع قانون المصالحة الوطنية، وهو ما اعتبره «مثيراً للقلق»، في ظلّ السعي إلى إقرار المشروع من دون مشاورات لا مع عائلات الضحايا ولا مع منظّمات المجتمع المدني.
ولم تحمل الإحاطة الكثير من الملاحظات حول الأوضاع الأمنية في ليبيا باعتبارها تتّسم بالاستقرار الهشّ، وسط استمرار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار من دون خروقات تذكر، وتواصل عمليات التنسيق الأمني. لكن التوترات السائدة في مناطق عدّة، وخاصة طرابلس، بين الميليشيات العسكرية، تثير هي الأخرى قلق باتيلي. وحتى الآن، لا يبدو أن الإحاطة الأخيرة التي قدمها المبعوث الأممي سيجري التعامل معها بشكل مختلف، لكن الرجل يتحرّك بهدف الضغط على أطراف إقليمية، من أجل محاولة التوصّل إلى حلول وسطية من دون صدامات، قبل أن يلجأ إلى السلاح الأخير، المتمثل في الدعوة إلى تطبيق عقوبات على المسؤولين الليبيين.