منذ بداية الأزمة، يشتكي مسؤولون أميركيون من ارتفاع فاتورة العملية العسكرية في البحر الأحمر
هكذا، تتحول أحداث البحرين الأحمر والعربي إلى كابوس للإسرائيليين والأميركيين والبريطانيين، في ظلّ سوريالية مشهد سفنهم وأصولهم العسكرية وهي أسيرة أو تحترق أو تغرق أو تقفل عائدة من حيث جاءت. لا بل إن الحديث عن العجز الأميركي والبريطاني هناك، بات مادة متداولة بشكل لم يكن أحد يتصوّره من قبل، بعدما كان ذلك بمثابة ضرب من الخيال، وخصوصاً في ظلّ انكشاف معطيات من مثل اضطرار سفينة تجارية أميركية للتحايل وكتابة عبارة «لا علاقة لنا بإسرائيل» على لوحة التعريف الخاصة بها، حتى لا يستهدفها اليمنيون، الذين عادوا واكتشفوها واستهدفوها. والواقع أنه ليست ثمة في الأروقة السياسية والعسكرية الأميركية أي حلول لمعالجة هذا الفشل، بقدر ما يدور الحديث عن «وصفات» للحد من الخسائر والتقليل من الاستنزاف وهدر الموارد، فيما يبدو أن واشنطن بدأت تستعد للتعايش مع الوضع الراهن، واحتمالية استمراره إلى أمد طويل.
ومن هنا، تعمل الدوائر المختصة في وزارة الدفاع على طرح بدائل لمواجهة العمليات اليمنية. ويُفهم مما يتسرّب عن البدائل تلك، أن أصحاب القرار الأميركيين يركّزون ليس على وضع استراتيجية جديدة شاملة، وإنما على الهروب من التكاليف الباهظة لصواريخ الاعتراض، في ما يمكن وصفه بـ«الاستراتيجية الأرخص». وتتضمّن هذه الخطة، بحسب مسؤولين في «البنتاغون»، التشويش الإلكتروني على الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، وإن كان خبراء في مجال المسيّرات يتوقّعون فشل ذلك الخيار أيضاً، بالنظر إلى تجارب سابقة للقوات الأميركية. وكانت وزارة الدفاع الأميركية اعترفت بتكبّدها خسائر مادية كبيرة جرّاء اعتراض الهجمات في البحرين الأحمر والعربي، ولا سيما أن صاروخ الدفاع الجوي الواحد تصل قيمته إلى 6 ملايين دولار. كما أن واشنطن تواجه تحدّي تقدم خصومها في إنتاج الصواريخ والطائرات من دون طيار، والتي كانت حتى وقت قريب متاحة فقط للدول الأكثر ثراء؛ وهي بالتالي، تقدّر الكلفة الاقتصادية لعملياتها العسكرية من حيث النتائج، مقابل الأسلحة المتوافرة لدى الخصم. والجدير ذكره، هنا، أن المجتمعات الغنية والمعقدة من مثل الولايات المتحدة، التي كان نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي فيها يتجاوز 76 ألف دولار في نهاية العام الماضي، لديها الكثير مما يمكن خسارته أكثر من دولة مثل اليمن، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 650 دولاراً، بحسب وكالة «بلومبرغ».
ومنذ بداية الأزمة مع اليمن، يشتكي مسؤولون أميركيون من ارتفاع فاتورة العملية العسكرية في البحر الأحمر. ووفقاً لتقرير نشره «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، الشهر الماضي، تستخدم السفن الحربية الأميركية عدة أنواع من أنظمة الصواريخ الدفاعية، منها صواريخ «إس إم 6» المتطوّرة المخصّصة لاعتراض الصواريخ الباليستية البعيدة والمنخفضة المسار (كروز)، والتي تبلغ تكلفة الواحد منها أكثر من 4.3 ملايين دولار. وبحسب المركز، تستخدم السفن الحربية الأميركية أيضاً صواريخ «إس إم 2»، التي تبلغ كلفة الواحد منها أكثر من 2.2 مليون دولار. أما اللجوء إلى خيار التشويش الإلكتروني، فيقرّ المختصّون الأميركيون بأنه يأتي عقب استحالة تنفيذ استراتيجية متكاملة قادرة على تحقيق الهدف.