الحسكة | بعيداً من أيّ مظاهر دعائية أو حملات انتخابية، تستعد «الإدارة الذاتية» الكردية لتدشين مرحلة إدارية جديدة من عمرها، عبر إجراء انتخابات محلية لـ«إقليم شمال شرق سوريا» والذي جرى إقراره في «العقد الاجتماعي» الأخير، وسط اتهامات من جهات معارضة وموالية، على السواء، بأن ما تقوم به ليس إلا خطوة نحو الانفصال. وكانت قد أقرّت «الذاتية»، في كانون الأول من العام المنصرم، العقد المذكور، والذي يعدّ بمنزلة «دستور» ينصُّ على استحداث هيكلية إدارية جديدة، ويتضمن تعديلات وإضافات على العقد السابق. ومن أبرز تلك التعديلات، إضافة كلمة «إقليم» إلى التسمية الرسمية التي أصبحت: «الإدارة الذاتية الديموقراطية لإقليم شمال شرق سوريا»، واعتبار جميع المناطق الخاضعة لسيطرة «الذاتية»، من المالكية في ريف الحسكة الشمالي وصولاً إلى منبج شمالاً والباغوز شرقاً، «إقليماً» واحداً، تتبع له سبع «مقاطعات»، هي: الجزيرة، دير الزور، الرقة، الطبقة، منبج، عفرين، والشهباء الفرات، فضلاً عن استحداث «المفوضية العليا للانتخابات»، و«محكمة حماية العقد الاجتماعي»، لتكون بمنزلة «المحكمة الدستورية»، المكلّفة مهمات الإشراف والمصادقة على نتائج الانتخابات.وسيبدأ تطبيق العقد الجديد، وفقاً لما أعلنته «الذاتية»، في نهاية أيار المقبل، عبر انتخابات «مجالس المدن والبلديات»، وصولاً إلى انتخابات «مجلس الشعوب» الذي يعدّ بمنزلة المجلس التشريعي الذي يقرّ القوانين ويصادق على تشكيل «المجالس التنفيذية». ولا يعدّ هذا الإعلان الأول من نوعه، بل أتى مشابهاً لإعلان سابق عن انتخاب «7464 رئيساً مشتركاً» لـ«مجالس الأحياء لفدرالية شمال شرق سوريا»، في عملية تمّت بالفعل في 22 أيلول 2017. إلا أنه سرعان ما تمّ تجميد تطبيق المرحلتَين الثانية والثالثة منها، على خلفية الانتقادات التي وُجّهت إليها، واعتبار مصطلح «فدرالية» مقدمة للانفصال، ما دفع الأكراد إلى التخلي عن مشروعهم ذاك في تلك المرحلة، ليعودوا، بعد سبعة أعوام، إلى اعتماد مسمّى بديل لهم، واتخاذ إجراءات لتطبيق نظام إداري جديد في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. ودفع ذلك، بالجهات المعارضة لـ«الذاتية»، سواءً من «المجلس الوطني» الكردي، أو من بقية تشكيلات المعارضة، إلى اعتبار التوجهات الأخيرة لـ«قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، بمنزلة قرار بالانفصال، وتعميق للأزمة السورية، وتهرب من الانخراط في أي حلول سياسية.
سيبدأ تطبيق العقد الجديد، وفقاً لما أعلنته «الذاتية»، في نهاية أيار المقبل


ومن جهتها، تجاهلت الحكومة السورية، حتى الآن، تلك القرارات، كونها تعتبر «الذاتية»، منذ تشكيلها، «جهة انفصالية مدعومة من الاحتلال الأميركي». أما الولايات المتحدة، فاتّبعت، على جري العادة، أسلوب المواربة، وذلك عبر عدم إصدار أي تعليق أو بيان، الأمر الذي اعتبره الكثيرون تحفظاً على الخطوة الكردية، ولكنها في الوقت نفسه لم تمنع «الذاتية» من المضيّ فيها. وفي هذا السياق، ترى مصادر مطلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الإدارة الذاتية تبحث عن انتزاع اعتراف داخلي أو دولي بمنطقتها كإقليم إداري ذي خصوصية إدارية في سوريا، وهي تسعى إلى استنساخ تجربة حكومة «كردستان العراق»»، مستدركةً بأن «هذا الأمر صعب التحقّق، لاعتبارات عدة؛ أولها أن «إقليم كردستان» تسكنه غالبية كردية، خلافاً للمناطق التي تحكمها «قسد» والتي تشكل العشائر غالبيتها، فضلاً عن استحالة تقبل ذلك من الموالاة والمعارضة، وسط وجود العصا التركية على الحدود». وتلفت المصادر إلى أن «الخطوة الأخيرة لها طابع سياسي، وتستهدف الضغط المزدوج: على الولايات المتحدة من جهة، على خلفية تقاربها مع تركيا، وخشية الأكراد من أن يكون هذا التقارب على حسابهم؛ وعلى روسيا، من جهة أخرى، كي تضغط على دمشق لتفعيل الحوار المتعثر معهم منذ سنوات»، مضيفةً أن «الخطوة تعدّ أيضاً بمنزلة لفت نظر للمجتمع الدولي، لرفع الفيتو التركي الموضوع على تمثيلهم في أي محفل إقليمي أو دولي خاص بحل الأزمة السورية».
وتتوقع المصادر أن «تعمد تركيا إلى إطلاق عملية عسكرية جديدة شمال سوريا، لتعطيل التوجه الجديد لدى الأكراد، في تكرار لتعطيل الخطوة الفدرالية السابقة عبر الهجوم التركي على عفرين»، معتبرة أن «ملامح ذلك بدأت بالظهور عبر التصريحات التركية عن نوايا باستكمال الحزام الأمني في سوريا والعراق هذا الصيف». غير أن مصادر مقربة من «الذاتية»، رفضت، في حديثها إلى «الأخبار»، الاتهامات بأن «الخطوات الإدارية الجديدة في مناطقها ذات طابع سياسي، أو توجه نحو الانفصال»، مدافعةً بأنها «تهدف بشكل رئيسي إلى التنظيم الإداري للمناطق المدارة من الإدارة الذاتية في ظل حالة الاستقرار التي تعيشها هذه الأخيرة، والحاجة إلى تطوير الأشكال والقوانين الإدارية المطبقة أصلاً فيها»، مضيفة أن «الخطوة غير موجهة إلى أي جهة، وهي بمنزلة اقتراح نموذج إداري للحل في سوريا على أساس اللامركزية».