انشقاق حزب «أمل جديد»، بقيادة جدعون ساعر، عن كتلة «المعسكر الوطني» التي يقودها وزير «كابينيت الحرب»، بني غانتس، لم يكن مفاجئاً. فرغم أن الكتلة استهدفت، لدى قيامها، تشكيل بديل سياسي، واقتربت من تحقيق ذلك في الشهور القليلة الماضية، إلّا أن علامات الافتراق بين غانتس وساعر، اللذين بدَوَا كزوجين سياسيين في فترة من الفترات، كانت قد بدأت بالظهور منذ مدة، حيث اتسعت الفجوة بينهما حول مسائل شخصية وأيديولوجية، وصولاً إلى إعلان ساعر الذي صنّفه الناخبون كـ«يمين معتدل»، وقوفه في صفه الحقيقي، أي اليمين المعبَّر عنه في الائتلاف الحاكم.على وثيقة الانشقاق التي قُدّمت للجنة «الكنيست»، وقّع أعضاء «أمل جديد»، الوزيرة يفعات شاشا-بيطون، وعضوا «الكنيست»، زئيف إلكين، وشيران هسكل، بعدما عقد ثلاثتهم اجتماعاً مع ساعر في مكتبه في «الكنيست»، اتخذوا فيه قرار الانفصال عن «المعسكر الوطني»، وتقديم طلب للانضمام إلى «كابينيت الحرب». ووفقاً لما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر في حزب ساعر، فإن الأخير وغانتس «لم يلتقيا بأربع عيون (وجهاً لوجه) منذ تشكيل حكومة الطوارئ، ولو التقيا لكان ساعر أعلم غانتس بخطوته»، ما يعني أن رئيس «المعسكر الوطني»، سمع بقرار الانشقاق من وسائل الإعلام. وفي إعلانه قراره، نفى ساعر نيّته الانضمام إلى «الليكود»، مؤكداً أن كتلته مستقلة، ومعلناً نيّته التحرك لضم قوى جديدة من اليمين، تمهيداً ربما لإنتاج واقع سياسي جديد على المدى البعيد، «يصعب توقعه».
ساعر طالب بنيامين نتنياهو، بضمه إلى «مجلس الحرب»، وهو ما كان رفضه غانتس (وجدّد رفضه له أمس)، واضعاً عدم توسيع المجلس شرطاً للانضمام إلى حكومة الطوارئ. غير أنه على خلفية تدهور العلاقات بين نتنياهو وغانتس، يتعاظم شعور الأول بأن الأخير في طريقه إلى الانسحاب؛ ولذا، فقد يجد في ضمّ ساعر إلى «الكابينيت»، بطاقة اعتماد سياسية، للحفاظ على «حالة الوحدة والتكافل» في أيام الحرب.
ووفقاً لـ«يديعوت أحرونوت»، فإن أوساط نتنياهو تنظر إلى أن خروج غانتس من الحكومة سيشكل حدثاً كبيراً من شأنه أن يحرّك مجدداً الاحتجاجات للمطالبة بانتخابات فورية. ولذا، إن رئيس الوزراء يحاول إيجاد طريق لتوسيع إمكاناته، وإزالة المخاطر عليه، وهو ما قد تتيحه له عودة ساعر إلى معسكر اليمين، والتي «تمنحه مساحة أوسع وأكثر راحة للمناورة». إذ إن إدخال ساعر إلى «كابينيت» الحرب من شأنه إضعاف غانتس، وحتى في حال انسحاب الأخير، فإن الأول سيبقى، خصوصاً أن أعضاء «أمل جديد» لا يفتأون يكررون أنه ما دامت الحرب دائرة، فالخروج من الحكومة وتقديم الانتخابات أمران غير واردين. لكن السؤال يبقى حول تأثير هذا التطور على موقع غانتس في تفضيلات الجمهور؟
ساعر «سياسي ذكي»، وهو بات مدركاً بأن الوقت قد حان لإقناع الإسرائيليين بأن ثمة بديلاً من غانتس


صباح أمس، كان من المفترض أن يعقد وزراء «المعسكر الوطني» اجتماعاً في مكتب غانتس، وعندما حاول الأخير الاتصال بمكتب ساعر للتأكد من حضوره، قيل إن ذلك غير ممكن بسبب انشغال الاخير. فيما لم تُقل كلمة واحدة حول الانشقاق الذي أُعلن ليل الثلاثاء - الأربعاء، وفاجأ توقيته غانتس، وحتى نتنياهو. ووفقاً للمحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، فقد كان واضحاً أن الأمور ستصل إلى هنا، وأن احتمال تحالف غانتس وساعر مجدداً (في أي انتخابات مقبلة) هو احتمال صفري تقريباً، وأن العد التنازلي لهذا الانشقاق بدأ منذ اللحظة التي فضّل فيها الأول إخراج الأخير من «مجلس الحرب»، والمفاوضة على دخول زميله غادي آيزنكوت. وبالعودة إلى تلك المدة، فقد حاول غانتس إقناع ساعر بأن وجود آيزنكوت ضروري في «المجلس» لظروف الحرب، كونه جنرالاً ورئيس هيئة أركان سابقاً، فيما دافع زعيم «أمل جديد»، بدوره، بأن فائض الجنرالات لم يمنع هجوم السابع من أكتوبر، وأنه بخبرته السياسية التي لا يملكها أحد، سيكون وجوده بمنزلة «قيمة مضافة» لـ«الكابينيت المصغّر». غير أنه في نهاية المطاف، بقي ساعر إلى جانب «المنبوذين» في «الكابينيت الموسع».
السؤال اليوم: ما الذي سيكون عليه موقف نتنياهو بعد رفض غانتس ضم ساعر إلى «مجلس الحرب»؟ هل سيتحدى الثاني ويقيله، ويضمّ الأخير ويعزز احتمال عودته إلى بيته الطبيعي في «الليكود»؟ الواقع أن ساعر ملدوغ غير مرة من «جُحر» نتنياهو، وهو لم يتخذ خطوته الأخيرة لينقذ رئيس الوزراء، وإنما لكي يجدد «ماركة غدعون ساعر»، الذي لم تتغيّر آراؤه بزعيم «الليكود»، وإن تغيّرت فإلى «الأسوأ». أمّا بخصوص توقيت الإعلان، فيرى بن كسبيت أن ساعر هو سياسي ماهر، ويقرأ مجريات الخلافات المتفاقمة بين نتنياهو وغانتس. كما أن حزبه الصغير نسبياً، والذي ابتلعته كتلة «المعسكر الوطني»، حقق نجاحاً في الانتخابات البلدية، إذ فاز برئاسة عشر بلديات، ونجح في إدخال 130 عضواً إلى أخرى. ويضاف إلى ما تقدّم، أن استطلاعات الرأي تمنح رئيس الوزراء الأسبق، نفتالي بينيت، ورئيس «الموساد» السابق، يوسي كوهين، قوّة لا يُستهان بها، وتُظهر أنه في حال تشكيل الرجلين حزباً جديداً، فإن الأصوات التي سيخسرها غانتس ستصب في مصلحتهما؛ ولذا، أراد ساعر التقدّم بخطوة عليهما، آخذاً في الحسبان أن المتحرك الأول له أسبقية شعبياً وإعلامياً.
بالنتيجة، فإن ساعر «سياسي ذكي»، وهو بات مدركاً بأن الوقت قد حان لإقناع الإسرائيليين بأن ثمة بديلاً من غانتس، وأن الأخير لا يعبّر عن اليمين الحقيقي. وبمعزل عمّا إذا كان رهانه سينجح أم لا، وسواء انضم لاحقاً إلى حزب يؤسسه بينت أو عاد إلى «الليكود» - رغم أن هذا احتمال غير وارد تقريباً -، فإنه في ظل المشهد السياسي الإسرائيلي المتقلّب حالياً، كل شي ممكن، ومن ضمنه أن يجلس ساعر إلى جانب الصهاينة الدينيين الذين يعبرون عن مواقفه ذاتها، ولكن بطريقة «أقل تحضراً».