وبرأي متابعين، فإن محدّدات الخطاب السياسي والإعلامي الذي يكرّره "الانتقالي" وبقية القوى الموالية للتحالف السعودي - الإماراتي، في مواجهة صنعاء، منذ بدء معركة البحر الأحمر، تبدو بعيدة عن الواقع، خصوصاً أن معركة تلك القوى تصبّ فقط في مصلحة تل أبيب والتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن. كما تكشف هذه المحدّدات حجم التراجع والانسلاخ عن المشاريع المحلية الوطنية، لصالح مشاريع القوى الخارجية. والظاهر أن واشنطن ولندن وأبو ظبي هندست السردية المشار إليها، في محاولة للضغط من بوابة الملف الاقتصادي، سواء لناحية انهيار العملة في المحافظات الواقعة تحت سيطرة "التحالف"، أو لجهة ارتفاع الأسعار، وتسخير ذلك ضمن المعركة السياسية والإعلامية ضد "أنصار الله"، من خلال الإيحاء بأن الضرر الذي لحق بالبلاد، لم يكن نتيجة الحرب والحصار، والسياسات المفروضة على اليمن من قبل الدول نفسها ومعها السعودية، خلال السنوات التسع الماضية.
تواصل السعودية تعزيز حضورها في المحافظات الجنوبية
وفي موازاة تلك المعركة، تخوض أبو ظبي معركة مفتوحة أيضاً في مواجهة النفوذ السعودي، معتبرةً أن التهديد الحقيقي لنفوذها في المحافظات الجنوبية، يتمثّل في التغلغل السعودي المتسارع، العسكري والسياسي، في تلك المحافظات. ورفضت الإمارات، بشكل معلن، ولأول مرّة، دمج التشكيلات العسكرية الموالية لها ضمن القوات التابعة للسعودية، في مؤسسات "الشرعية". وعبّر المتحدّث باسم قوات "الانتقالي"، محمد النقيب، عن اعتقاده "باستحالة دمج القوات، خصوصاً أن الانتقالي بات يسيطر على معظم المناطق في الجنوب". ولم يكتف "الانتقالي" بذلك، بل إنه صعّد في مواجهة الرياض، وهدّد بفضّ الشراكة في إطار "مجلس القيادة الرئاسي" والحكومة، ولوّح بتشكيل حكومة جنوبية.
من جانبها، تواصل السعودية تعزيز حضورها في المحافظات الجنوبية. وعلى رغم هزيمتها العسكرية في أبين وشبوة قبل عامين تقريباً، في مواجهة القوات الموالية للإمارات، إلا أنها جدّدت نفوذها عبر التشكيلات العسكرية الجديدة المنضوية ضمن "درع الوطن"، وتمكّنت من نشر تلك القوات بالقرب من معاقل الجماعات التابعة للإمارات في معظم المدن الجنوبية. ليس هذا فحسب، بل إن الرياض أسّست أحلافاً سياسية وقبلية في المحافظات الشرقية لمواجهة القوى السياسية التابعة للإمارات هناك. كذلك، يبدو أن الخطوات السعودية نحو السلام مع صنعاء، تندرج ضمن استهداف الرياض لأبو ظبي، خصوصاً أن السعودية تفاوض "أنصار الله" منفردة، وتحوك بنوداً ترى الإمارات أنها تأتي على حساب مصالحها، الأمر الذي يفسّر رفض الأخيرة دمج القوات الموالية لها في إطار وزارة الدفاع، وحرصها على استقلالها من أجل استخدامها كورقة لهدم عملية السلام في حال لم تأت على مقاس المصالح الإماراتية في جنوب اليمن.
هكذا تبدو معركة أبو ظبي السياسية والإعلامية، في الوقت الراهن، في مواجهة صنعاء، فيما المعركة الميدانية في مواجهة الرياض، على اعتبار أن الأولى مؤقّتة، بينما الثانية وجودية.