قبيل عشرة أيامٍ من انتهاء سريان «أمر الإعفاء» الذي أقرّه الائتلاف الحاكم لمنع تجنيد طلاب المعاهد الدينية، وفي ظلّ إعلان وزير الأمن، يوآف غالانت، أنه لن يكون هناك قانون تجنيد طالما لم تتفق جميع مركبات حكومة الطوارئ على ذلك، وصلت عاصفة «المساواة في العبء» مجدداً إلى «الكنيست»، حيث ناقشت «لجنة مراقب الدولة» برئاسة عضو «الكنيست»، ميكي ليفي، مسألة تجنيد «الحريديين». غير أن الجلسة سرعان ما انقلبت إلى معركة كلامية، رغم أنّ، وفقاً لليفي، «الجيش الذي يطالب برفع عدد المجندين النظاميين، وإطالة مدّة الخدمتين الاحتياطية والنظامية، محذّراً من نقص القوى البشرية، لا يرى أنه من الصحيح أن يبتعث ممثلين له إلى الجلسة». وأضاف ليفي أنه حتى ممثلو رئيس الوزراء «لم يحضروا!».وفي الجلسة، انفجرت مشاحنة بين عميت سيغيف، الذي فقد أخته وأبناء عائلتها في هجوم «طوفان الأقصى»، وبين عضو «الكنيست»، طالي غوتليب، من «الليكود». إذ طالب سيغيف بتجنيد «الحريديين»، قائلاً: «المشكلة ليست في الجمهور الحريدي، وإنما في قيادته. فمن لا يخدم في الجيش، أو الخدمة الوطنية لا يستحق تلقي تأمين وطني، ولا حقّ التصويت»، متسائلاً: «لماذا شريحة واحدة من المجتمع الإسرائيلي معفاة من العبء؟ منذ سنوات والقطار الذي اسمه «دولة إسرائيل» ضلّ طريقه، وخرج عن السكة، مسافراً إلى وجهة سيئة جداً». وأضاف منتقداً الحكومة: «مسافرو القطار متعبون، يائسون ومرتبكون. قبل 15 شهراً تدهور هذا القطار وخرج عن مساره تماماً، وقائده رئيس الوزراء نتنياهو، وأصدقاؤه هم ثلة من الفاسدين المافياويين وجزء منهم أساساً متهم (جنائياً)». وفي ردّها على ذلك، خاطبت غوتليب، سيغيف، قائلة: «لا تقل ما قلته عن رئيس الوزراء»، ليردّ عضو «الكنيست»، جلعاد كريف، من حزب «العمل»، عليها صارخاً: «لا تتحدثي هكذا مع عائلة ثاكلة! وقحة وعليكِ أن تتعلمي الإصغاء! فليتحدثوا في هذا البيت عن رئيس الوزراء كما يشاؤون». وانضمّ عضو «الكنيست»، فلاديمير بلايك، من حزب «هناك مستقبل»، إليه، قائلاً: «حسناً سأقول لكِ عما يدور الحديث؛ عن رئيس وزراء فاسد وفاشل».
ثمّ تابع سيغيف حديثه بالقول: «على مدى أربعين أسبوعاً، حشود من المواطنين والمواطنات خرجوا إلى الطرقات، وطالبوا سائق القطار بأن يبطئ سيره، بالتوقف، وفحص الاتجاه الذي يسلكه، ولكنه تابع الطريق بكل قوة حتى بلغنا الدمار، وذلك بسبب طموحاته السياسية والشخصية». وأضاف «نتيجة لهذا الانهيار، فقدت شقيقتي وزوجها وولديها، لن يعودوا إطلاقاً. ومثلي فقد آلاف المواطنين عائلاتهم، أصدقاءهم، على مذبح شخص واحد. ولكن سائق القطار وأصدقاءه لم يفقدوا شيئاً، بل وأيضاً لم يفقدوا كراسيهم. سوف نحاسبكم، أطلب من رئيس الوزراء أن يتفق مع المعارضة على موعد الانتخابات، لا يوجد وضع نصل فيه إلى ذكرى موت أختي وهم يجلسون على كراسيهم. التاريخ سيحاسبكم، هذه القيادة الفاشلة يجب تغييرها». وعندها، ردّت غوتليب عليه بالقول: «مستعدة لتقبل أي شيء ولكن ليس الأكاذيب. لن تكون هناك انتخابات. الانتخابات تُجرى كل أربع سنوات»، متسائلةً: «هل ستتمكنون من إسقاط الحكومة؟ حسناً هذه ديموقراطية. حالياً لن تستطيعوا فعل ذلك لأن هذه الحكومة اختارها شعب إسرائيل بإرادته. وسألخّص: لا يوجد أحد منا بقي كما هو بعد 7 أكتوبر. إن أمن إسرائيل هو خارج أي اعتبار سياسي، ومن يفكر أن نتنياهو ليس مشغولاً طوال الوقت بالمختطفين وقيادة النصر وإعادة المناعة والأمن القومي، فهو مخطئ».
في حال لم تجد الحكومة صيغة توافقية، فسيكون على الجمهور «الحريدي» التجنّد بدءاً من الشهر المقبل


من جهته، قال الجنرال في الاحتياط رام موشي، الراف الرئيس لسلاح الجو سابقاً، والذي قاد مشروع «شحار» لتجنيد «الحريديين»، إن إجبار الأخيرين على التجنّد «ليس هو الطريق الصحيح»، مضيفاً «أعتقد أن الطريق ليست التهديد أو العقوبات، وليست بأن ننعتهم بالطفيليين، ولكن فقط أن نقول لهم أيها الحاخامات أنتم تفهمون حجم الواجب، وعندئذ سنراهم يصلون». وهنا، ردّ عضو «الكنيست»، مئير كوهين، بالقول: «كل من تحدّث مع الحريديين شعر بعدم الراحة، ولكن أنا أشعر بالراحة لأنني سمعت الجيش يقول أنا بحاجة إلى جنود، ومطلقاً لم أسمعه يقول «طفيليين»». وتطرّق إلى أقوال الحاخام الرئيس، يتسحاق يوسف، قائلاً: «هذا مثلاً لدينا مشكلة معه. لقد حان الوقت لنقف جميعاً في مواجهة الواقع، ونفهم أن الدولة في خطر وجودي. لا يوجد جنود! والجيش يقول إنه بحاجة إلى فرقتين على الأقل، وأنت تقول لي هنا أن نحاول التحدث معهم؟». وانضم عضو «الكنيست»، غلعاد كريف، إلى كوهين، بالقول: «لقد حان الوقت لنقول كفى لخصوصية الجمهور الحريدي. الراف الرئيس الذي تحوّل إلى سياسيّ خلافاً لتعليمات القانون، فليحترم خصوصية الأمهات (الثاكلات). لقد ولى الزمن الذي علينا فيه أن نعبأ لخصوصية الجمهور الحريدي فيما قيادته لا تعبأ بخصوصية الجمهور الذي يخدم».
وأتت هذه الجلسة العاصفة بعد أسابيع من محادثات مكثّفة بين نتنياهو وغالانت لإيجاد صيغة توافقية للقانون الجديد، فيما في الخلفية تدور الجلسات في المحكمة العليا حول القضية نفسها، حيث أصدر القضاة الذين نظروا في سلسلة من الاستئنافات ذات الصلة، أوامر مشروطة أخيراً، مذكّرين بأن على الدولة أن تشرح سبب عدم إلغاء قرار الحكومة منع تطبيق خدمة طلاب المدارس الدينية، في ضوء انتهاء سريان قانون التجنيد. كما أصدر القضاة أمراً مؤقتاً يمنع تخفيض مدة الخدمة أو أي مدة أخرى ذات صلة، في ما يتعلق بتجنيد أعضاء المدرسة الدينية وخدمتهم. وفي حال لم تجد الحكومة صيغة توافقية، فسيكون على الجمهور «الحريدي»، بدءاً من الشهر المقبل، التجند، علماً أن اليهود المتشددين خرجوا في تظاهرات تحت عنوان «نموت ولا نتجند»، وأغلقوا طرقاً في عدّة مناطق. وفي المقابل، تظاهر قرابة 10 آلاف شخص في تل أبيب أخيراً، بدعوة من منظمة «إخوة (رفاق) السلاح»، وطالبوا بالمساواة في الأعباء.
كذلك، حاول نشطاء المنظمة المذكورة، التحدث مع زعيم الفصيل الأورشليمي، الراف تسافي فريدمان، في مدينة بني باراك، معقل «الحريديين». إلا أن هذا الأخير أخبرهم، وفقاً لـ«القناة 12»، أنه يفضّل أن يذهب تلامذته وأفراد عائلته إلى السجن أو يموتوا على أن يتجندوا. وأضاف الراف الذي يقود اليهود المتشددين ضد التجنيد: «لدي 30 - 40 حفيداً وأبناء أحفاد، وإن كانوا سيسألونني ما الذي تفضّله، أن يقتلهم العرب أم أن يكونوا علمانيين؟ علمانيون بالنسبة إلينا، هذا أكبر من الموت، وأخطر منه»، متابعاً أن «التجربة أثبتت أنهم (الحريديين الذين يتجندون) يتركون الدين، وهذا أسوأ من الموت». وزاد: «نحن لم ننشئ الدولة، بن غوريون عرف أن الحريديين لن يتشاركوا معه، بالنسبة إلينا، كنا نفضل الانتداب البريطاني». وعندما سأله أحد النشطاء: «لماذا تفضل الانتداب البريطاني على يهود علمانيين؟ صحيح هم ليسوا ملتزمين دينياً، ولكن على الأقل هم يهود». فرد الحاخام بسؤال: «لنفترض أنكم كنتم تعيشون في باكستان، هل كنتم سترسلون أولادكم إلى الجيش؟». ولدى محاولة ضيوفه استمالته بالقول: «الدولة في وضع مجبرة فيه على أن توسّع نطاق الخدمة في الجيش»، وإن «هذه مسألة بقاء، فقد يذبحوننا»، أجابهم: «بمعزل عن أن الوضع هو كذلك، لن نقوم بذلك (لن نخدم في الجيش). ليكن ما سيكون»، فردّوا عليه بأن «على الشعب اليهودي تقع مسؤولية وطنية، ما الذي تغيّر يا أخي؟»، ليجيبهم: «يهود اليوم هم كفار، الأمر ليس كما كان سابقاً».