غزة | أنهى حصار مستشفى «الشفاء» المستمر منذ سبعة أيام، آلية تأمين المساعدات وتوزيعها، التي سمحت بدخول شاحنات المساعدات إلى مناطق شمال وادي غزة كافة، من دون دماء. إذ شكل اغتيال مسؤول عمليات الشرطة المدنية في القطاع، العميد فائق المبحوح، ثم قصف عدد من مخاتير العشائر، وصولاً إلى اغتيال مسؤول لجنة التأمين والطوارئ، أمجد هتهت، ومسؤول جهاز المباحث العامة، رائد البنا، إعلاناً إسرائيلياً واضحاً، عن أن الطريقة التي يجب أن تصل بها المساعدات حصراً هي «طحين الدم». ومنذ بدأت عملية «الشفاء»، اغتالت الطائرات الحربية نحو 50 شاباً من وحدات التأمين والحماية أثناء انتظارهم وصول شاحنات المساعدات عند مفترق دولة، المحاذي لدوار الكويت في شمال غزة. وفي غضون أسبوع واحد، عاد مشهد الرحلة اليومية إلى دوار الكويت مجدداً، حيث نفّذ العدو مجزرتين بحق منتظري المساعدات، راح ضحيتهما 40 شهيداً ومئات المصابين. وقال مصدر في لجنة الطوارئ العشائرية، لـ«الأخبار»، إن «جيش العدو، ومنذ حاصر مستشفى الشفاء، تمكّن من اغتيال عدد كبير من عناصر لجنة تأمين المساعدات ومسؤوليها. بل إن واحداً من أهداف السماح لعمل اللجنة التي نسّقت عملها برعاية مع الأمم المتحدة، هو الكشف عن الهيكلية الإدارية للمشهد الداخلي. وحينما اتضحت المعلومات نتيجة العمل الميداني، اغتالت إسرائيل كل مفاصلها وحتى عناصرها، ما قوّض أي فرصة لاستمرار عملها». ووسط ذلك، تستمرّ مجازر إلقاء المساعدات من الجو، حيث كثّفت الطائرات العربية والدولية من طلعاتها الجوية، بالتزامن مع المذبحة المستمرة في مستشفى «الشفاء». وفضلاً عن فشل تلك الطائرات في إحداث أي اختراق في جدار المجاعة، فإن ما تحدثه من فوضى واقتتال داخلي، تسبّب أخيراً في مجزرة جديدة أول من أمس، حينما ألقت طائرة العشرات من مظلات المساعدات فوق المناطق الغربية من بيت لاهيا، لتجرفها الرياح إلى عرض البحر. وهناك، لم يجد الآلاف من منتظري المساعدات، حلاً سوى أن يخوضوا أمواج البحر الهادرة؛ فتدافع الأطفال والرجال والشبان في محاولة للظفر بأي شيء، ولكن البحر جرف أكثرهم. وتمكن الأهالي لاحقاً من انتشال جثامين 18 شهيداً قضوا غرقاً.
وفي أسواق شمال غزة، يجول النازحون في رحلة يومية للبحث عمّا يمكن أن يصلح وجبة للفطور أو السحور، ولكن الأسعار الفلكية والكميات الشحيحة تحول دون العودة إلى البيت بأي سلعة. وتقول أم محمود، لـ«الأخبار»، وهي تطوف في سوق شارع يافا، إن «رحلة البحث عن شيء يمكن إعداده للفطور خابت: أوقية العدس بـ7 دولارات والمعكرونة بـ 10 دولارات وكيلوغرام السكر بـ20 دولاراً، ولا يوجد أي نوع من أنواع اللحوم ولا البقوليات بأسعار معقولة. فحتى تعدّ وجبة إفطار مقبولة لعائلة من 7 أفراد، تحتاج إلى 100 دولار». هكذا، تغيرت ثقافة الشراء من الشراء بالكيلوغرام والرطل، أو حتى بالشوال الكامل، كما كان الوضع قبل الحرب، إلى الشراء بالحبة الواحدة والأوقية. وفي شارع فهمي بك وسط مدينة غزة، ظهرت بضع حبّات من البندورة والخيار للمرة الأولى منذ أشهر، ولكن سعر الكيلوغرام الواحد وصل إلى 25 دولاراً. وتضيف أم محمود: «يشتري الناس بالحبة، حبة بندورة الواحدة سعرها 5 دولارات والخيارة الواحدة ب4 دولارات. يعني عائلة من 10 أفراد كانت تشتري صندوق بندورة، صارت تشتري حبة واحدة. سعر الخمسة كيلوغرامات قبل الحرب كان 3 دولارات».
أما جباليا، التي تقع في أقصى شمال القطاع، فلم تعرف شاحنات المساعدات طريقها إليها منذ بداية الحرب، إلا خلال الأيام الثلاثة التي نضجت فيها آلية التأمين. هناك تتجلى المجاعة على نحوٍ قاسٍ، حيث يأكل الناس الفلفل الأحمر والزعتر فقط، فيما حتى الخبيزة وحشائش الشتاء، نفدت من الأسواق.