رام الله | لا تزال جنين ومخيمها شمالي الضفة الغربية المحتلة، ساحة الاشتباك الأبرز هناك بين المقاومة وجيش الاحتلال؛ إذ منذ معركة «سيف القدس»، يكاد لا يمضي أسبوع إلّا ويحتل فيه المخيم عناوين الأخبار وصدارة الأحداث، بمقاومته وعملياتها وشهدائه والاجتياحات المتكررة له. وشيعت جنين، أمس، 3 شهداء ارتقوا في عملية عسكرية واسعة استهدفت المدينة والمخيم، شاركت فيها عشرات الآليات العسكرية والجرافات والطائرات المسيرة، التي باتت تمثل رأس الحربة في أيّ اقتحام للمخيم، وازداد اعتماد جيش العدو عليها في عمليات القتل والقصف، على غرار تلك التي نفذها الأسبوع الماضي في محيط المخيم، بقصف مركبة كان يقودها مقاومون، استشهد 4 منهم.وقصفت قوات الاحتلال، فجر الأربعاء، حارة الدمج في مخيم جنين بصواريخ من طائرة مسيرة، ما أسفر عن استشهاد الشابين حمزة العرعراوي، ومحمد ناصر بني غرة، وإصابة آخرين، بعد ساعات من اقتحام المدينة والمخيم، والذي تخلّله إطلاق كثيف للنار في اتجاه المواطنين، ما أسفر عن إصابة أيمن يوسف عزوقة برصاصتين نُقل على إثرهما إلى «مستشفى جنين الحكومي»، قبل أن يعلَن استشهاده متأثراً بإصابته. وكان شن جيش العدو، مساء الثلاثاء، عملية عسكرية واسعة في جنين، داهم خلالها عدداً من المنازل في أحياء الجابريات، وجبل أبو ظهير، والسكة، وخلة الصوحة، توازياً مع اقتحامات مشابهة لعدة بلدات محيطة بها من مثل بلدة قباطية.
وكما في كل اقتحام، سارعت قوات الاحتلال إلى نشر قناصتها في عدة أحياء وبنايات سكنية، في وقت اندلعت فيه مواجهات عنيفة تخلّلها إطلاق المقاومين النار تجاه آليات العدو وجنوده، واستهدافهم هؤلاء بعبوات ناسفة شديدة الانفجار. وفي المقابل، فجّرت قوات الاحتلال خطّ المياه الرئيسي في مدينة جنين، والذي يغذي عدّة أحياء، ومنعت مركبات الإسعاف من تقديم العلاج للشاب عزوقة ما أدى إلى استشهاده، بينما هدمت جرافاتها نصب الشهيد زياد الزرعيني، واستولى جنودها على كاميرات المراقبة في عدة أحياء، وسط اعتداء على الأهالي وممتلكاتهم. كذلك، فجّر جيش العدو مركبة في محيط مستشفى الرازي في حي المراح، واعتقل 3 شبان من داخلها قبيل عملية التفجير، كما أوقف عدداً من الفلسطينيين، وأجرى تحقيقات ميدانية معهم، واعتدى عليهم بالضرب المبرح قبل أن يفرج عنهم.
وعلى خطّ مواز، شهدت عدة قرى قريبة من مدينة جنين اقتحامات واسعة استمرت لساعات، من أبرزها في بلدة قباطية التي اقتحمتها آليات واسعة، واندلعت فيها اشتباكات مسلحة عنيفة أصيب بنتيجتها أربعة شبان برصاص قوات الاحتلال، التي قامت بعملية تدمير واسعة للبنية التحتية في البلدة، وخاصة بالقرب من منطقة الحسبة، في خطوة تعد الأولى من نوعها في البلدات والقرى، بعد أن كان هذا التدمير يقتصر على المخيمات، وتحديداً مخيمات جنين طولكرم. أيضاً، اقتحم جيش العدو بلدات اليامون وبرقين والزبدة وكفردان، وشن عمليات مداهمة واقتحامات لمنازل المواطنين، والتي عاث فيها تخريباً، واعتقل منها عدداً من الشبان، وسط مواجهات استمرت طوال مدة الاقتحامات. كذلك، شنّت قوات الاحتلال، فجر الأربعاء وصباحه، حملة مداهمات وتفتيشات في أرجاء متفرقة من الضفة، تخلّلتها مواجهات في بعض المناطق واعتقالات طالت عدداً من الفلسطينيين. ووُثق اعتقال العدو، أمس، 20 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم زوجة الشهيد مجاهد منصور من قرية دير ابزيع، وطالبة في جامعة بيرزيت، بالإضافة إلى طفل وأسرى سابقين.
كما في كل اقتحام، سارعت قوات الاحتلال إلى نشر قناصتها في عدة أحياء وبنايات سكنية


في هذا الوقت، تتجه الأنظار، اليوم، إلى مستوطنة «شيلو» القريبة من رام الله، والتي ستحتضن مؤتمراً لجماعات الهيكل المزعوم، لبحث وترتيب تفاصيل التنفيذ لطقوس «ذبح البقرة الحمراء وحرق رمادها ونثره»، كشرط لـ«تطهّر اليهود من نجاسة الموتى»، ما يسمح باقتحام آلاف المستوطنين للأقصى تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل مكانه. ووجّه ما يسمى «معهد الهيكل» دعوة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمشاركة في المؤتمر، الذي يراد عبره تجاوز المنع المفروض من الحاخامية الكبرى الإسرائيلية على اقتحام المسجد، بسبب عدم توافر شرط «الطهارة». وتنتظر جماعات الهيكل المتطرفة، منذ سنوات، القيام بهذه الخطوة، بعد أن عملت على توفير كل الشروط المطلوبة، وهو ما شأنه، إن حصل، أن يضاعف الأخطار المحدقة بالأقصى، كونه سيزيد من أعداد المقتحمين له والمنخرطين في عملية فرض الطقوس التلمودية فيه.
وكانت جماعات الهيكل قد استولدت 5 بقرات حمراء بالهندسة الجينية في ولاية تكساس الأميركية، ثمّ أحضرتها إلى فلسطين المحتلة في تشرين الأول 2022، حيث تُخضعها لرعاية خاصة ومراقبة على مدار الساعة، في مستوطنة «شيلو» التي سيعقد فيها المؤتمر. وتبدو الظروف بالنسبة إليها، اليوم، مؤاتية لتنفيذ عملية الذبح - وهو ما سيتحدث به عدد من الحاخامات -؛ إذ أتمت البقرات الخمس ما يسمى «السن الشرعي الأدنى» الذي يسمح بإجراء عملية «التطهير»، وهو سنتان وشهران. كما يأتي هذا المؤتمر بعد شهرين فقط من إعلان المعبد الذي يترأسه الحاخام المتطرف، يسرائيل أريئيل، الذي ينتمي إلى حركة «كاخ» المعروفة بعدم التزامها بالقوانين الإسرائيلية، عن حاجته إلى كهنة متطوعين لتدريبهم على طقوس «التطهر»، ووضعه شروطاً خاصة للمتطوعين، وتشديده على أن هذه العملية يجب أن تتمّ في قطعة أرضٍ سبق أن استولت عليها جماعات الهيكل على جبل الزيتون مقابل الأقصى. وبحسب تلك الجماعات، فإن الموعد المسجل في النصوص الدينية المقدسة لديها لـ«ذبح البقرة الحمراء والتطهر برمادها»، هو يوم الثاني من نيسان العبري، والذي يصادف هذا العام 10 نيسان القادم، الذي يُتوقع أن يكون يوم عيد الفطر.