استحوذت الأنباء الواردة عن هجوم إسرائيلي على عدد من المنشآت الواقعة في مدينة أصفهان الإيرانية، على اهتمام وسائل الإعلام الغربية، التي وضعتها في خانة ما يمكن وصفه بـ»الرسائل السياسية»، أكثر من كونه «ضربة عسكرية»، فيما مالت ردود الفعل الصادرة من الداخل الإيراني إلى التهوين من الواقعة. ومن جهتهم، استخفّ عدد كبير من الناشطين الإيرانيين على مواقع التواصل الاجتماعي بـ»هجوم أصفهان»، وعدّوه «تافهاً» من خلال مقارنته مع الهجوم الواسع الذي شنّته إيران على الأراضي الفلسطينية المحتلة، فيما راج مقطع فيديو لطفلة إيرانية، وهي تقوم بمحاكاة للهجوم الجوي على أنّه نُفّذ بطائرات من ورق.
«ردٌّ محدود»
وفي معرض تقييمها للواقعة، لفتت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن نزعة التكتّم التي خيّمت على إسرائيل وإيران، حيال الهجوم الجوّي الذي تعرّضت له أصفهان، تشي بأن «كلتيهما تريدان تجنّب التصعيد». ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين إسرائيليين، تأكيدهم أن تل أبيب تقف وراء الهجوم الذي وقع فجر الجمعة، وأنه يندرج في إطار «ردٍّ (عسكري) محدود يهدف إلى تجنّب تصعيد التوترات» مع إيران. ورصدت تحليلات بعض مقدّمي البرامج الإخبارية العبريّة، والذين قال عدد منهم إن الهجوم «لا يبدو أنه قد ألحق أضراراً كبيرة بالمواقع العسكرية». وفي السياق نفسه، وضعت محلّلة الشؤون الدبلوماسية في «القناة 12» العبريّة، دانا فايس، ما تعرّضت له إيران في خانة ما درجت عليه إسرائيل من «القدرة على القيام بمناورات عسكرية على درجة عالية من الأناقة، بحيث لا تُحدث صخباً، أو تتسبّب بأضرار عسكرية كبيرة»، مبيّنة أن هذا النوع من الهجمات «يمكّنها من إيصال الرسالة التي تريدها». لكن شبكة «سي إن إن» الأميركية أشارت إلى أنّ صور الأقمار الاصطناعية لا تُظهر أيّ أضرار كبيرة في قاعدة أصفهان الجوّية، في حين نقلت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية عن مصدر أوروبي رفيع، تأكيده أن ما بادرت إليه إسرائيل «يشكّل تدبيراً (عسكرياً) بسيطاً» من جانبها. وكشفت الصحيفة البريطانية أن الجانب الإسرائيلي أعطى ضمانات للجانب الأميركي بعدم استهداف طهران، والمناطق المجاورة.
صور الأقمار الاصطناعية لا تُظهر أيّ أضرار كبيرة في قاعدة أصفهان الجوّية


ضربة لـ»الاستهلاك المحلّي»
بدورها، نقلت صحيفة «واشنطن بوست»، عن مصدر مطّلع على المناقشات الرسمية الإسرائيلية، قوله إنّ قرار استهداف أصفهان «تمّت هندسته بعناية»، وإنّ «مجلس الحرب الإسرائيلي عمل على صياغة خطّة تحرّك من شأنها ردع إيران من دون التسبّب بوقوع خسائر كبيرة أو أضرار واسعة النطاق، على نحو يجبر طهران على الرد عبر تنفيذ جولة أخرى من الهجمات». ورجّحت الصحيفة أن تكون «الضربة الإسرائيلية قد تم تصميمها لتأخذ طابعاً استعراضياً، مع الحرص على أن يترتب عليها وقوع ضحايا وأضرار مادية ضمن الحدود الدنيا»، معتبرة أنّه «في ظل التزام إسرائيل بالصمت بعد الهجوم، واستهانة إيران بأهميته، يبدو أن الجانبَين يأملان في أن تكون الردود العسكرية المتبادلة بينهما حتى الآن كافية لإرضاء الجمهور المحلّي للطرفين، من دون الحاجة إلى التسبّب بالمزيد من التصعيد». وفي إطار الحديث عن التداعيات المحتملة، قدّر الخبير الأمني في الجامعة الوطنية الأسترالية، تشارلز ميلر، أن «الأمور قد تهدأ» بين إسرائيل وإيران، معتبراً أنّ «كلتيهما تريدان في الواقع أن تظهرا بمظهر الطرف القادر على القيام بإجراءات (عسكرية ضدّ الطرف الآخر)، وذلك من دون المخاطرة بالقيام بأيّ عمل استفزازي للغاية».

ما حقيقة الدور الأميركي؟
تقاطعت تقارير إعلامية غربية عند حقيقة الضغوط التي مارستها العواصم الغربية على إسرائيل، لتجنّب تصعيد التوترات مع إيران، وتنسيقها مع حكومة بنيامين نتنياهو في مرحلة ما قبل الضربة على أصفهان، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاغاني، حين قال إنّ «الحجم المحدود الواضح للهجوم كان نتيجة جهود مجموعة السبع»، كاشفاً أنّ إسرائيل أبلغت واشنطن مسبقاً في شأن الضربة. من جهتها، نقلت شبكة «إن بي سي» عن مصدر أميركي، تأكيده أن الولايات المتحدة لم تشارك في الضربة الإسرائيلية على إيران، فيما أفادت تسريبات بأن المسؤولين الأميركيين، وخلال محادثاتهم مع نظرائهم الإسرائيليين، قد توصّلوا إلى قناعة بأن تل أبيب لن تستهدف أيّ منشآت نووية إيرانية. وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أكّد لدى لقائه مجموعة من قادة المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة الثلاثاء الماضي، أنّ المزيد من التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إسرائيل.