خرج وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي عن البروتوكول القانوني المعتمد في صلب مهام وزارة العدل، والذي سار عليه كلّ وزراء العدل السابقين من قضاة ومحامين وسياسيين، بعدم الجهر بمعارضة حكم قضائي حتّى ولو كان صادراً ضدّهم شخصياً أو في دعوى تتعلّق بهم مباشرة. صبّ غضبه على المحكمة العسكرية وحكمها الصادر بحقّ الوزير الأسبق ميشال سماحة في قضيّة نقل متفجّرات بناء على طلب المخبر ميلاد كفوري الذي جنّده فرع المعلومات، أيام كان ريفي مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي.
لم يسبق في تاريخ القضاء أن وقف وزير للعدل على الضفّة المقابلة لحكم ما صادر عن محكمة ما، حتّى ولو كان بخلاف توجّهاته ومواقفه وقناعاته السياسية والقانونية. ذلك أنّ هناك فصلاً تاماً بين مسؤولية الوزير والمحاكم، ولا علاقة للوزير بعمل المحاكم ولا يحقّ له توجيهها، أو إلزامها بكيفية إدارة جلساتها أو تدوين أحكامها، فالفصل تام ونهائي، ووزير العدل هو وزير وصاية، وعلاقته إدارية بحتة ومرتبطة بالتشكيلات القضائية وبالأمور الإدارية، ولا يحقّ له التدخّل لنقض حكم أو لإجبار محكمة معيّنة على تفصيل حكم ما بحسب أهوائه ومصالحه السياسية.
هاج ريفي، كما لم يفعل من قبل، مرتكباً جملة مخالفات تتناقض والقانون الذي يفترض به أن يكون حريصاً عليه، وذلك في النقاط التالية:
أوّلاً: شهّر ريفي بالمحكمة العسكرية الدائمة كما لم يفعل أحد سواه، لا من وزراء العدل ولا من السياسيين، لتحقيق غاية في نفسه ولدى فريقه السياسي وهي عدم محاكمة «الموقوفين الإسلاميين»، وقادة المحاور في طرابلس والذين كان بعضهم يتلقّى الدعم السياسي والغطاء الأمني منه خلال مسؤوليته في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعدم ملاحقة أعضاء التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و»جبهة النصرة» والخارجين عن القانون من مفتعلي الأحداث الأمنية في سوريا. ونال وزير العدل من سمعة قضاة وضبّاط المحكمة العسكرية، بدلاً من العمل على حماية قضاتها التابعين لوزارته، في وقت يفترض أن تكون وزارة الدفاع وقيادة الجيش مسؤولتين عن حماية ضبّاط المحكمة وبالتالي الردّ على ريفي، ووضع حدّ لتطاوله المستمرّ على هذه المحكمة لأهداف سياسية مكشوفة.

في حال مجاراة
ريفي فإنّ كلّ قضاة لبنان يحالون على التفتيش القضائي

ثانياً: أعلن ريفي إحالة المستشارة المدنية في المحكمة العسكرية القاضية ليلى رعيدي على هيئة التفتيش القضائي مخالفاً القانون الذي يفرض عليه السرّية في مثل هذه الحالة. ولم يسبق لأيّ وزير عدل أن لفظ اسم قاض أحيل على هيئة التفتيش القضائي والمجالس التأديبية. علماً أنّ رعيدي لم ترتكب خطأ قانونياً في عملها، فهي عضو في المحكمة وليست رئيسة لها، كما أنّها اقتنعت بأنّ جرم سماحة يستحقّ هذه العقوبة وإلاّ لكانت خالفت رأي زملائها الأعضاء العسكريين، وهي أكثر معرفة منهم في فهم القانون وتطبيقه بحكم الوظيفة والممارسة. وعلى فرض أنّها أخطأت، فهناك محكمة أعلى هي محكمة التمييز العسكرية يعود لها الفصل النهائي في قضيّة سماحة بعد الطعن بالحكم. وإذا ما جرت مجاراة ريفي في فعلته، فإنّ كلّ قضاة لبنان يحالون على هيئة التفتيش القضائي لأنّ أحكامهم معرّضة في كثير من الأحيان والقضايا والموضوعات للاستئناف والتمييز.
ثالثاً: طلب ريفي من النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود بالتحرّك لتوجيه مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي صقر صقر التابع له وظيفياً بغية الطعن في الحكم، هو مخالفة صريحة للمادة 75 من قانون القضاء العسكري التي تمنع على مفوّض الحكومة الطعن بأحكام الإدانة وتحصر حقّه في الطعن بأحكام البراءة. وهذا يعني أنّ طلب النقض من صقر مردود شكلاً.
ذهب ريفي في تعداد مآخذه على الحكم القضائي الصادر بحقّ سماحة، الى ربطه باغتيال الضابط وسام الحسن، في حين أنّ سماحة لم يكن متهماً باغتيال الأخير، وإنما بنقل متفجّرات بناء على استدراج الحسن له، وهذا يعني أنّ «انتقاد ريفي للحكم غير مبرّر قضائياً بوقائع المحاكمة، بل باغتيال الحسن فقط، وهذا التبرير عاطفي وربط مخابراتي بين أحداث سابقة تنظر فيها المحكمة وأحداث لا تنظر فيها المحكمة» على حدّ تعبير أحد القانونيين. وهذا الأمر يؤكّد مرافعة وكلاء الدفاع عن سماحة الذين طلبوا له البراءة، لأنّ نقل المتفجّرات حصل بناء على استدراج «فرع المعلومات» له، وتحديد هذا الفرع لائحة المتفجّرات خطّياً، ثمّ تسلّمها من سماحة نتيجة كمين مخابراتي.