إزاء الفراغ الرئاسي، اجتهد قضاة مجلس القضاء الأعلى (راجع صفحة 9) في استنباط طريقة جديدة لأداء قسم اليمين أمام رئيس الجمهورية لتفادي المثول أمام مجلس الوزراء مجتمعاً، رغم أن رئيس الحكومة ومعه الوزراء وقّعوا جميعاً مرسوم تعيين أعضاء المجلس.ومن المعروف أنّ أيّ تعيين، بموجب مرسوم، في منصب مهمّ يحتاج إلى أداء اليمين أمام رئيس الجمهورية كرمز للبلاد لكي يصبح نافذاً ويسلك طريقه القانوني الصحيح، وليتمكن الشخص المُعيّن من تسلم مهامه رسمياً والمباشرة في وظيفته.

وبما أنّ هيئة محاكم التمييز انتخبت القاضيين حبيب حدثي وغسّان فوّاز ممثّلين لها في عضوية مجلس القضاء، وتلاه تعيين مجلس الوزراء القضاة مروان كركبي، ميشال طرزي، طنوس مشلب، عفيف الحكيم، ومحمّد مرتضى أعضاء في المجلس بموجب المرسوم رقم 2131 المنشور في العدد 23 من الجريدة الرسمية (4 حزيران 2015) لمدّة ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد، يكون عقد مجلس القضاء الأعلى قد اكتمل، ولكنْ بقيت خطوة قسم اليمين ليتمكن من الاجتماع وممارسة صلاحياته.
وبقيت ثغرة قسم اليمين ماثلة في وجه الجميع، خصوصاً مع وجود اختلاف في وجهات النظر بين فريقين: الأوّل يرى ضرورة أداء القسم أمام رئيس الجمهورية كونه من صلاحياته الفردية وعدم جواز حلول أحد مكانه، والثاني لا يرى مانعاً من وقوف القضاة أمام الرئيس تمام سلام وبقيّة الوزراء في مشهد لا يخلو من الكاريكاتورية، باعتبار أنّ مجلس الوزراء مجتمعاً يحلّ مكان رئيس الجمهورية عند غيابه، منطلقين من القاعدة القانونية والشرعية التي تقول بأنّ «المُطلق يجري على إطلاقه»، وبالتالي الحفاظ على استمرارية الدولة وهيبتها في ظلّ فراغ رئاسي يحصل للمرّة الأولى.

اجتمع القضاة السبعة وقرأوا قسم اليمين ووقّعوا عليه ليصبح عملهم قانونياً

ولكنّ القضاء آثر أن يستنبط أسلوباً غير مألوف في أداء اليمين ونفّذه على نفسه قبل سواه، في «اجتهاد» جديد. إذ اجتمع القضاة السبعة وقرأوا قسم اليمين المكتوب ووقّعوا عليه لكي يصبح عملهم في مجلس القضاء قانونياً ورسمياً.
يذكر أن مرسوم تعيين القضاة الخمسة في مجلس القضاء تضمّن خطأ قانونياً، إذ أنه لم يراعِ في ذكره للأسماء التراتبية المعمول بها في الجسم القضائي لناحية الدرجات والأقدمية، فقدّم رئيس الغرفة في محكمة التمييز القاضي ميشال طرزي وهو في الدرجة 19 على رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي مروان كركبي الأعلى درجة بين كلّ قضاة لبنان حالياً، وهو في الدرجة 23. وليس صحيحاً أنّ رئيس غرفة في محكمة التمييز هو الأعلى والأعلم في الجسم القضائي بحسب ما ذهب إليه مرسوم التعيين، إذ أن هنالك قضاة في مناصب قضائية مختلفة هم أعلى درجة وأكثر أقدمية من قضاة يترأسون غرفاً في محاكم التمييز بشقيها الجزائي والمدني.