وفي ظل النفور المسيحي عموماً، والبطريركي خصوصاً، من موقف الشانزليزيه من ملف النازحين السوريين، تبدو باريس كطفل يصرّ على دمية لا يمكنه الحصول عليها، ولن يشتريها أحد له. فلا الولايات المتحدة في وارد تجيير نفوذها أو طموحاتها للفرنسيين ولا أيٌّ من الدول الخليجية أيضاً. والمؤكد أن ثمة عقدة استعمارية فرنسية تحتاج إلى علاج، إذ تعتقد باريس بأن لها حقاً مكتسباً يكفي أن تطالب به لتناله. واللافت أن زيارة الوزير الفرنسي تزامنت مع عودة الحديث عن أسماء فرنسية – لبنانية للرئاسة الأولى، تتراوح بين من لم يقبل الأفرقاء اللبنانيون بتوليهم وزارة أو حاكمية مصرف لبنان، وبين أخرى تنبشها باريس من تحت غبار كثيف تكدّس فوقها، فيلتبس عليها الأمر بين حاجة البلد إلى رئيس للجمهورية وحاجته إلى أستاذ تاريخ أو رجل أعمال إضافي.
تعتقد باريس بأن لها حقاً مكتسباً يكفي أن تطالب به لتناله
والواضح من بعض الأسماء التي عاد التداول بها على وقع الحراك الفرنسيّ الفارغ الأخير أن الفرنسيين يخلطون بين السياسة والـ«بيزنس» بشكل كامل، وبين بناء النفوذ ومصادرة الثروات، مسجّلين عبر هذه الطروحات غير الرسمية تراجعاً عما أظهروه من واقعية سياسية في المرحلة السابقة، وهو ما يدفع إلى القول إن أمام الديبلوماسية الفرنسية فرصة حقيقية للقيام بدور ما في حالت تراجعت خطوات إلى الوراء لتعيد ترتيب أوراقها على الشكل الآتي:
1 - إنهاء سياسة المكابرة في ما يخص سوريا، إذ لا يعقل أن تتغير مواقف معظم الدول العربية تجاه دمشق بموافقة أميركية، فيما تمضي باريس في المكابرة، مفترضة أن بوسعها، عبر إعلان الحرب بشكل متواصل على سوريا، مزاحمة النفوذ الروسي في المنطقة من البوابة اللبنانية.
2 - العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر لجهة التعامل الإيجابي مع قوى المقاومة في المنطقة وفق مبدأ الاعتراف بأحجامها الحقيقية بدل التهويل عليها بائتلافات دولية ضد الإرهاب تارةً، وبالعضلات الاسرائيلية الخائرة طوراً.
3 - وصل ما انقطع مع الأفرقاء المسيحيين جراء التشاوف السياسي من جهة، والإصرار على إبقاء النازحين السوريين في لبنان من جهة أخرى.
4 - تحديد حد أدنى متفق عليه مع كل من الولايات المتحدة والسعودية بدل استمرار التكاذب بين بعضهم بعضاً.
5 - تحديد ما تريده فرنسا فعلاً من لبنان: نفوذ سياسي أم تحقيق مصالح مالية لشركاتها أو غيره؟
رغم ذلك، فإن إعادة التموضع الفرنسي لا تعني بالضرورة نجاح فرنسا في تحقيق طموحاتها، لكنها تسمح لها بالدخول بطريقة صحيحة إلى الملف اللبناني، ومن بابه الرئيسي لا من نوافذه الخلفية.