ثلاث مشاركات سابقة للبنان في مونديال كرة السلة لم يٌكتب له فيها أن يتخطّى دور المجموعات، لكن في كلٍّ من هذه المشاركات ترك منتخبنا بصمةً أمام العالم، وذكريات جميلة لمتابعيه انطلقوا منها دائماً في كل مرّة أرادوا فيها الحديث عن الإنجازات الوطنية الكبرى.وتأتي المشاركة الحالية في إندونيسيا لتعيد الى لبنان مشاهد تاريخية عرفها في مشاركاته الماضية، وخصوصاً أن مجموعته تضمّ خصمين سبق أن واجههما، وهما: فرنسا وكندا.
الفرنسيون الواثقون من أنفسهم دائماً سقطوا في مونديال 2006 أمام منتخبٍ مكافحٍ عانى للوصول الى اليابان المضيفة للبطولة، إذ كانت الشكوك تحيط أصلاً بقدرته على المشاركة في الحدث العالمي في خضمّ أحداث حرب تموز. لكن رجال المنتخب لم يكتفوا بالمشاركة فقط، فحققوا فوزاً صارخاً على منتخبٍ فرنسي مدجّجٍ بالنجوم (74-73)، على رأسهم: بوريس دياو، ميكايل جيلابال، روني تورياف وغيرهم.
ذاك المنتخب اللبناني ربما كان الأكثر جرأةً في تاريخ المشاركات الخارجية، إذ تحدّى كل الظروف الصعبة ولم يخَف أي خصمٍ في مجموعته التي ضمّت عامذاك أيضاً منتخبات: الأرجنتين، نيجيريا، صربيا ومونتينيغرو، وفنزويلا. لذا بقيت أسماء تشكيلة لاعبيه خالدة في أذهان محبّي «رجال الأرز»، وقد ضمّت: جان عبد النور، باسم بلعة، براين بشارة، فادي الخطيب، عمر الترك، روني فهد، علي فخر الدين، صباح خوري، علي محمود، روي سماحة وحسين توبة، إضافةً الى أفضل مجنّس عرفه المنتخب في تاريخه وهو جو فوغل.
هؤلاء حجبوا غيمةً سوداء كبيرة عانى منها اللبنانيون المصدومون جراء العدوان الإسرائيلي على البلاد، وهم الذين كانوا يلملمون الدمار ويداوون جراح المصابين، ويزفّون الشهداء الى مثواهم الأخير. وقتذاك، زفّ رجال المنتخب أجمل خبرٍ لشعبهم، وكانوا الدواء في الظرف الصعب، وأعادوا رسم صورة طائر الفينيق بحقّ عندما نهضوا من قلب الركام ليسطّروا أغلى انتصار.
تلك التجربة المميّزة حوّلت المشاركة في كأس العالم الى هوسٍ، بحيث رفض الكل فكرة غياب منتخبنا عنه في النسخات التالية، فكان حشد القوى لتأمين بطاقة دعوة للمشاركة في مونديال تركيا 2010، وهو ما حصل بعد دفع مبلغٍ غير بسيط من المال وصل الى 500 ألف يورو.
هذه المشاركة اللبنانية الثالثة توالياً في المونديال كانت مستحقة لأن لبنان خسر قبلها نصف نهائي البطولة الآسيوية التي أقيمت في مدينة تيانجين الصينية أمام أصحاب الأرض بظلمٍ تحكيمي، وذلك بعدما منح حكم اللقاء في الثواني الأخيرة الصينيين ثلاث رميات حرّة لما اعتبره خطأ على روني فهد ضد لاعبٍ صيني، في الوقت الذي أثبتت فيه الإعادة عدم صحة القرار إلى جانب صافرات ظالمة أخرى أثّرت على مجرى المباراة.
بعدها أفلتت البطاقة المونديالية من منتخبنا بخسارته مباراة تحديد صاحبَي المركزين الثالث والرابع أمام الأردن الذي تأهل مع الصين وإيران الى المونديال، حيث وقع اللبنانيون في مجموعةٍ صعبة ضمّتهم الى ليتوانيا، إسبانيا، نيوزيلندا وكندا، التي أُحرجت أمام اللبنانيين بخسارة منتخبها بفارق 10 نقاط (71-81) في المباراة الأولى للمنتخبين في تلك النسخة، وذلك بفضل نجومٍ أضيفوا الى المتألقين في المونديال السابق، ومنهم من حضر من الخارج، أمثال مات فريجة وعلي كنعان، والراحل المجنّس جاكسون فرومان.
تلك كانت أياماً مجيدة في تاريخ المنتخب الوطني وكرة السلة اللبنانية، ومع جيلٍ ذهبي آخر في الساحة المونديالية اليوم، لا يمكن إسقاط أيّ أملٍ بظهور لبنان مجدداً بصورةٍ طيّبة بعدما بات يحسب لمنتخبه ألف حساب، ويشار إليه عند الحديث عن أفضل منتخبات العالم.