بين فترةٍ وأخرى، تُنصف كرة القدم فرقها «العصامية» التي تعتمد على جهود اللاعبين والجهاز الفني وشغف الجماهير في سبيل اعتلاء منصات التتويج. ظهر ذلك ضمن أكثر من مناسبة خلال الألفية الجديدة، بدءاً من تتويج ويغان في كأس الاتحاد الإنكليزي 2012-2013 مروراً بمعجزة ليستر سيتي عندما رفع لقب الـ«بريميرليغ» موسم 2015-2016... وصولاً إلى إنجاز باير ليفركوزن التاريخي قبل يومين.هذا الأخير يحتل العناوين العريضة في الوسط الكروي، إثر حسمه لقب الدوري الألماني قبل خمس مباريات من نهاية الموسم بفوزه (5-0) على فيردر بريمن الأحد. صدارةٌ مستحقة بـ 79 نقطة دون أي هزيمة وبفارق 16 نقطة عن أقرب منافسيه بايرن ميونيخ، شكّلت الطريقة المثلى لحصد لقب الدوري الأول في تاريخ ليفركوزن الممتد إلى 120 عاماً، كما أنه اللقب الأول إجمالاً للفريق منذ رفعه كأس ألمانيا عام 1993 بفوزه على هيرتا برلين (1-0).
هو إنجازٌ استثنائي بكل المقاييس. السياق التاريخي لليفركوزن وما حمله من خيبات عند أعتاب المحطات الأخيرة يزيد من أهمية التتويج هذا الموسم. يظهر ذلك جلياً من خلال فرحة الجماهير التي اقتحمت ملعب باي أرينا عقب نهاية لقاء الأحد، والتي لا تزال حتى اللحظة غير مصدّقة لما حدث.
التتويج «الساحر» أثلجَ قلوب أنصار الفريق بعد صيامهم عن فرحة الألقاب لأكثر من عقدين. في موسم 2001-2002، كان باير ليفركوزن قابَ قوسين أو أدنى من تحقيق ثلاثية الدوري والكأس ودوري أبطال أوروبا، لكنه خرج خالي الوفاض بفارق نقطة واحدة خلف بوروسيا دورتموند البطل في «بوندسليغا» حينها، مع خسارة (2-1) أمام ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا و(4-2) أمام شالكه في نهائي كأس ألمانيا.
نهاية «كارثية» عادت على ليفركوزن بلقبٍ من نوعٍ آخر، لقب تهكّمي أطلقته الجماهير الألمانية المعادية، هو «Neverkusen»، في إشارةٍ إلى عدم الفوز بالألقاب وتحديداً الدوري، حيث احتلَّ ليفركوزن وصافة «بوندسليغا» خمس مرات.
ومع ذلك، انتهت صلاحية العبارة إلى الأبد تبعاً لإنجاز الفريق هذا الموسم الذي كُتب بالجهد الجماعي، بقيادة «المايسترو» تشابي ألونسو.
عوَّل ألونسو على الخبرة التي اكتسبها كلاعب عندما تعلّمَ على أيدي مدربين كبار


المدرب الذي شقّ طريقه التدريبي من الفريق الرديف لنادي مسقط رأسه ريال سوسيداد إلى ليفركوزن، عوَّل على الخبرة التي اكتسبها كلاعب عندما تعلّمَ تحت قيادة مدربين كبار أمثال رافاييل بينيتيز، جوزيه مورينيو، كارلو أنشيلوتي وبيب غوارديولا.
ومنذ إشرافه على الدكة الفنية لليفركوزن في منتصف الموسم الماضي، عاينَ ألونسو الأضرار ليحصد الذهب بعدها خلال موسمه الكامل الأول في ألمانيا.
أدرك المدرب الإسباني حاجة فريقه منذ الصيف، فقام بسوق انتقال مثالي من ناحية الفاعلية، الخبرة والكلفة. عليه، جاء العديد من اللاعبين أبرزهم اليخاندرو غريمالدو (27 عاماً) وغرانيت تشاكا (30 عاماً) وجوناس هوفمان (30 عاماً) وفيكتور بونيفاس (22 عاماً)، ما أضاف الكثير إلى منظومةٍ شابة.
وبعيداً عن المدرب، يُحسب للإدارة عدم التفريط في أغلب مواهب الفريق الواعدة.
يُعرف ليفركوزن في الأوساط الكروية بكونه نادياً مبيعياً، يقوم بتنمية المواهب الشابة قبل أن يبيعها للاستفادة من العائد المادي. لم يتغير ذلك بعد أن قاد ألونسو الفريق إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي الموسم الماضي، حيث تم بيع موسى ديابي لأستون فيلا، تماماً كما بيعَ من قبله بيرند لينو وكاي هافرتز وليون بيلي في السنوات الماضية...
ما كان لافتاً هو تقليل وتيرة البيع خلال الصيف رغم الطلب المضاعف على مواهب ليفركوزن، على رأسهم الألماني الشاب فلوريان فيرتز صاحب الثلاثية في مباراة التتويج الأخيرة.


التحدّي الآن يكمُن في الحفاظ على العناصر الذين ساهموا في التتويج التاريخي. سيبقى ألونسو مدرباً لليفركوزن خلال الموسم المقبل كما أعلن قبل أيام، لكن لا شيء مضمونٌ بالنسبة إلى اللاعبين، ولا حتى بالنسبة إلى كشّافي مواهب النادي الذين أصبحوا على «رادار» كبار الفرق الأوروبية إثر تصعيدهم باستمرار عدداً من أبرز الأسماء الواعدة.
الضغط مستمر على باير ليفركوزن للبناء على نتائج هذا الموسم، فهل يصبح الفريق «مارداً» في ألمانيا والقارة العجوز، أم يبدّد نجاحه التاريخي مقابل المال كما فعل أياكس وموناكو خلال العقد الماضي؟