بمعنى آخر، فإن التحذيرات والدعوات الإيرانية تعدّ امتداداً لآراء سابقة تدخل في الإطار ذاته، في الغرب كما في الشرق. وكان الأكثر دلالة عليها ما أدلى به المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، في أيلول الماضي، حينما أشار إلى أن الحزب الجمهوري الذي تحوّل إلى «التمرّد المتطرّف»، قد ينجح في زيادة العقوبات على الدول الأخرى، وأيضاً قد يتخذ إجراءات تدفع إيران إلى الانسحاب من الاتفاق. يومها، لفت تشومسكي الانتباه إلى أن «الاتفاق ليس موقّعاً بين إيران والولايات المتحدة فقط، بل مع ما يسمى مجموعة 5+1». لذا، نبّه من أن «المشاركين الآخرين قد يتفقون على المتابعة، وقد ينضمّون إلى الصين والهند، اللتين وجدتا، سابقاً، أساليب للتهرب من القيود الأميركية على التعامل مع إيران»، ليختم أنه «بناءً على هذا الاحتمال، ستصبح الولايات المتحدة معزولة عن العالم».
مع ذلك، تفتح قرارات مجلس النواب الأميركي المجال أمام الكثير من التساؤلات التي لا ترتبط بصفقة «بوينغ» فقط، ولكن بتداعيات الخلافات الأميركية الداخلية على الاتفاق النووي ككل، وهو أمر لا يغيب عن بال معظم المراقبين. قد يحاول البعض التحليل بالإشارة إلى إمكانية تأثيره على صفقة طائرات «إيرباص» الأوروبية لإيران، بعدما طالبت «بوينغ» بأن يشمل المنع الشركات الأميركية الأخرى، ما سيؤثر على الشركة الأوروبية التي تتضمّن طائراتها قطعاً أميركية. والبعض الآخر قد يلجأ إلى الحديث عن إمكانية أن يحمل الرد الإيراني إيقافاً للاتفاق النووي تماهياً مع خطاب روحاني. وبينما تبقى هذه التحليلات مرهونة بالسلوك الأميركي المستقبلي، تبرز في إيران وجهة نظر مفادها أن منع مجلس النواب الأميرکي لشرکة «بوينغ» يعدّ التفافاً علی روح الاتفاق الذي التزمت الولایات المتحدة به شفوياً علی الأقل. وترى أنه إذا أيّد مجلس الشيوخ هذا الإجراء، فسيكون علی الرئيس الأميركي منع انهيار الاتفاق بمفهومه الموسّع عبر الفيتو الرئاسي. الباحث والأکاديمي المتخصص في الشؤون الاستراتيجية حسن أحمديان يدعم هذه الفكرة، ويعرب في حديث إلى «الأخبار» عن اعتقاد بأن أوباما سيفعل ذلك للذود عن الاتفاق النووي ومنع انهياره، باعتباره أحد إنجازاته في السياسة الخارجية.
أقرّ مجلس النواب الأميركي منع شراء الماء الثقيل من إيران
وفي إطلالة على مستقبل الاتفاق النووي، يشرح أحمديان أن «التزام إيران بالاتفاق النووي مبنيّ علی المفهوم الموسع من الاتفاق». بعبارة أخری، يقول إن هذا الإجراء «سيؤثر علی نوعية عمل طهران تجاه واشنطن علی ثلاثة مستويات: علی المستوی الأول، ستحاول إيران الضغط علی الحكومة الأميرکية عبر شرکائها في الاتفاق النووي في مجموعة 1+5 وعبر المجتمع الدولي. وعلی المستوی الثاني، سيؤثر ذلك علی ثقة النخب الإيرانية بالولايات المتحدة. وثالثاً، ستحاول طهران الاستفادة من رفع العقوبات الدولية لزيادة تعاملها الاقتصادي مع منافسي الولايات المتحدة الاقتصاديين الذين باتوا بعد رفع العقوبات من دون رادع لاستئناف أو زيادة أعمالهم في إيران».
بالرغم من ذلك، يرى أحمديان أن الإجراء الأميرکي «سيؤثر أيضاً علی ثقة الشرکات الأوروبية الكبری تجاه مستقبل عملها الاقتصادي في إيران»، معتبراً أنه سيكون من نتائجه «توقف شرکة إيرباص مثلاً عن بيع الطائرات لإيران، كما سيُبطئ هرولة الشرکات الأوروبية العاملة في مجال الطاقة نحو قطاع الطاقة الإيراني». وهذا الرأي مبنيّ على وجهة نظر مفادها أن «الاتحاد الأوروبي ليس بمقدوره العمل منفرداً مع إيران، إن أرادت الولايات المتحدة إيقاف هذا التعاون».
ويذهب أحمديان إلى القول إن «الأوروبيين ينتظرون نتائج الانتخابات الرئاسية الأميرکية، ليقرروا بشأن المزيد من التعاون مع إيران للحدّ من الخسائر».
من جهة أخرى، يشير إلى أنه «حتی الآن، لم تستفد إيران کثيراً من الاتفاق النووي. لكنها تعوّل علی الحدّ من تأثير العقوبات المرفوعة عن قطاعات المال والأعمال الإيرانية». ويلفت في الوقت ذاته إلى أن «الحماسة الإيرانية حيال أثر رفع العقوبات علی الاقتصاد قد انحدرت، بشكل کبير، بعد عام على توقيع اتفاق لوزان، مع أنها لا تزال تعوّل علیه».
الباحث الأكاديمي محمد سلطاني نجاد يعيد المشاكل التي تواجهها طهران في سياق تطبيق «الخطة الشاملة» إلى أصل الاتفاق نفسه، ويقول في حديث إلى «الأخبار» إن «الاختلافات حول هذه الخطة كانت موجودة منذ إنشائها»، مضيفاً أن «العديد من الأشخاص في واشنطن يرون أن العقوبات هي أساس للضغط على طهران وجعلها تغيّر سلوكها».
في هذا الإطار، يشير سلطاني نجاد إلى أنه «على الرغم من كافة النيات الحسنة التي أظهرها الرئيس باراك أوباما، إلا أن هناك فهماً عاماً في إيران بأن الولايات المتحدة تلعب لعبة إزالة العقوبات على الورق وإبقائها عند التطبيق». ولكنه ينظر إلى التطورات بإيجابية أكبر، موضحاً أنه «ما دامت العناصر الأساسية في الاتفاق مُحترمة من قبل أميركا، فإن إيران ستفي بالتزاماتها». وبالنسبة إليه تبقى «فوائد الاتفاق النووي متعددة الأوجه، وهي سياسية واقتصادية».
أما عن التعامل مع أوروبا، فيوضح سلطاني نجاد أن «الدول الأوروبية طالما كانت تتمتع بحس نقدي تجاه الولايات المتحدة بسبب عقوباتها الواسعة النطاق». ويشير إلى سابقة في هذا المجال، وهي «ما شهدناه في ما يتعلق بقضية العقوبات على إيران وليبيا في عام 1996، حين وقفت أوروبا في وجه الولايات المتحدة وتابعت شركاتها العمل مع إيران في مجالي الغاز والنفط رغم الضغوط والاعتراضات الأميركية». ويعوّل الخبير السياسي في هذا المجال على عاملين «أوّلهما أن معاقبة إيران بعد الاتفاق النووي وبعدما أبدت كل هذا التعاون، ستظهر من دون شرعية وقبول. والثاني أن التحالف الذي أنشئ ضد إيران لم يعد موجوداً».
الاستثمارات الأجنبية تفوق 8 مليارات دولار العام الحالي
توقّع رئيس اتحاد الاستثمارات الإيرانية والأجنبية المشتركة، حسين سليمي، بلوغ حجم الاستثمارات الأجنبية 8 مليارات دولار، خلال العام (الإيراني) الحالي.
وقال سليمي لوكالة «فارس» أول من أمس، إنه «بعد تنفيذ الاتفاق النووي أصدرت تراخيص لاستثمارات أجنبية في إيران، بنحو 3 مليارات دولار، ولا سيما البلدان الأوروبية». وأشار إلى أنّ «زيارات الوفود التجارية الأجنبية لإيران، بعد تنفيذ الاتفاق النووي خلال شهر واحد، كانت كثيرة بحيث أنها تساوت مع عدد الوفود الزائرة خلال عام»، وفيما نفى ما يردّده البعض عن أن زيارات الوفود التجارية لإيران لم تكن مثمرة ولم تتجاوز حدود مذكرات التفاهم والتصريحات، فقد أوضح أن تبادل الزيارات وإجراء المفاوضات والتباحث بشأن الإمكانات يعد تمهيداً للاستثمار، فضلاً عن أن عشرات الزيارات التي قامت بها الوفود الأجنبية لإيران لم تكن دون جدوى وفق الإحصاءات المتوافرة.
(الأخبار)