مقالات مرتبطة
إزاء ذلك، نبّهت الدراسة التي حملت عنوان «وثيقة توصيات للسياسة إثر الأزمة المتعمّقة في علاقات إسرائيل والولايات المتحدة»، إلى أنه «من دون قيم مشتركة مع الولايات المتحدة، لن تكون هناك مصالح مشتركة ولا علاقات متميزة». وأوضح باحثو المعهد أن «الولايات المتحدة هي دولة عظمى تعمل بموجب مصالحها الخاصة فقط. وأهمية إسرائيل بالنسبة إلى الولايات المتحدة تكمن في مجالين أساسيين، هما: المجال التكنولوجي والقوة الأمنية»، لكن هذه الأهمية تكون «واقعية فقط إذا ما التزمت إسرائيل بالقيم المشتركة التي تقرّر هذه العلاقات المتميّزة». أمّا «إذا ابتعدت إسرائيل عن القيم الديموقراطية الأميركية»، فإن تعزيزها في مجالَي التكنولوجيا والأمن «من شأنه أن يصبح مناقضاً للمصلحة الأميركية»، والسبب أنه «لا توجد لدى إسرائيل موارد طبيعية نادرة، وموقعها الجغرافي ليس مفيداً للولايات المتحدة، وهي ليست جزءاً من حلف دفاعي، ورأسمالها البشري التكنولوجي، على الرغم من أهميته، ليس حصرياً لها».
أوصت الدراسة الحكومة الإسرائيلية بإيقاف «خطوات التشريع الأحادية الجانب»
وبيّنت الدراسة أن العلاقات الأميركية - الإسرائيلية المتميّزة مهمّة لكونها تمثّل «الفرق بين كون إسرائيل دولة عظمى إقليمية وبين كونها دولة صغيرة لديها قدرات محدودة»، مضيفةً أن «بإمكان إسرائيل البقاء في الوجود حتى بعد خفض الدعم الأميركي لها»، لكن ذلك «سيؤثّر بشكل كبير على قوتها الأمنية، ورفاهيتها الاقتصادية، وجودة حياة مواطنيها». وإذ أقرّت بأن الدولة العبرية «ليست قريبة من إمكانية أن ترفع الولايات المتحدة الدعم عنها بشكل شامل»، فهي حذّرت من أن آثار الاتجاه الحالي المستمرّ، على المدى البعيد، ستكون «سلبية للغاية»، وهو ما لا يعود إلى سياسة إسرائيل فحسب، وإنّما إلى «تغيّر وجه المجتمع الأميركي وسياسته الداخلية»؛ إذ تُظهر استطلاعات الرأي أن «الناخبين الديموقراطيين باتوا أكثر تأييداً للفلسطينيين وأقلّ تأييداً لإسرائيل».
يُضاف إلى ما تَقدّم، أن كلّاً من الولايات المتحدة وإسرائيل تشهد تحوّلات ديموغرافية مهمّة ومتناقضة في الوقت نفسه؛ فبحسب الدراسة، أضحى المجتمع الأميركي «أقلّ تديّناً»، فيما الإسرائيلي أمسى «أكثر تديّناً». وبينما يشهد الأول ارتفاعاً متواصلاً في نسبة الأشخاص الذين يصنّفون أنفسهم على أنهم بلا إيمان ديني، يسير الثاني في اتّجاه معاكس تماماً. وأمّا ابتعاد اليهود الأميركيين عن إسرائيل، فيعود، طبقاً للدراسة، إلى جملة أسباب، أبرزها استبعاد التيّارات اليهودية غير الأرثوذكسية عن إسرائيل، ورفض الأخيرة الاعتراف بالتيارَين اليهوديَّين: الإصلاحي والمحافظ، المشكّلَين للغالبية العظمى من اليهود الأميركيين، الأمر الذي يعمّق «الاغتراب تجاه إسرائيل»، في حين أن «التيّارَين المذكورَين معروفان بكونهما ليبراليَّين، ويتشاركان مع الإدارة الأميركية الحالية وجهات النظر والقلق حول كلّ ما يتعلّق بالصراع بين إسرائيل والفلسطينيين». كذلك، تطرّقت إلى شعور «الإحباط» لدى واشنطن من جرّاء مواقف تل أبيب تجاه بكين، وسياستها إزاء الحرب الروسية - الأوكرانية، مبيّنةً أنه من وجهة النظر الأميركية، فإن إسرائيل «لا تعترف بشكل كامل بالقلق الأميركي حيال الصين».
بناءً على تلك المعطيات، أوصت الدراسة، الحكومة الإسرائيلية بإيقاف «خطوات التشريع الأحادية الجانب بغية التوصل إلى توافق وطني واسع حول التشريعات». كما أوصتها بـ«الامتناع عن خطوات أحادية الجانب تخرق الوضع القائم ميدانياً في الساحة الفلسطينية»، لأن «استمرار السياسة الحالية سيقود الولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى الاعتراف بحلّ الدولة الواحدة، حتى إن لم يأتِ هذا الاعتراف في غضون السنوات القليلة المقبلة»، علماً أن تحوّل إسرائيل إلى «دولة لكلّ المواطنين» لا يلائم التطلّعات القومية لغالبية الإسرائيليين الذين يعرّفون أنفسهم كصهاينة. أمّا بالنسبة إلى يهود الولايات المتحدة، فشدّدت الدراسة على ضرورة التقريب بين التيارات اليهودية، لأن تسريع انفصال هذه التيارات سيحدث «ضرراً شديداً»، من أوجهه توقّف اليهود الأميركيين عن اعتبار أنفسهم ملزمين بالصهيونية وأصولهم اليهودية. وختمت الدراسة توصياتها بدعوة إسرائيل إلى «الاعتراف بحدود القوة»، وضرورة التنسيق مع الولايات المتحدة عند اللجوء إلى استخدام قوة عسكرية شديدة، سواء حيال التهديد الإيراني أو التهديد الفلسطيني؛ إذ إن «القوة العسكرية لا تحلّ وحدها المشكلة، بل من شأنها أن تعقّدها. كما أن لغياب التنسيق مع الولايات المتحدة تأثيراً خطيراً على الإنجاز العسكري، وكذلك على استقرار نتيجته حتى بعد انتهاء الحرب».